الدول النامية ما بين مأزق التخلف الاقتصادي وتحديات الانطلاق نحو التقدم

شاطئ السلام : بقلم د.إبراهيم عمر(صاروخ)..
باحث في قضايا السلام والتنمية
أطلق مسمى الدول النامية لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، فأخذ العديد من الكتاب تداوله بشكل واسع على أساس أن الهدف الرئيس والصفة المشتركة التي تجمع بين الدول النامية هي الحاجة إلى التنمية خاصة بعد بروز مصاعب التنمية في الميدان الاقتصادي لتلك الدول، حيث تم تعريفها بأنها الدول السائرة في طريق النمو والآخذة بأسبابها، ومنذ ذلك التاريخ قام المفكرون الاقتصاديون وعلماء التنمية بالبحث والتحليل عن ظاهرة التخلف الاقتصادي في الدول النامية، إذ إنتهت بحوث ودراسات هؤلاء على مختلف مشاربهم إلى أن اقتصاديات هذه الدول تعاني من درجات متفاوتة من التخلف الاقتصادي، وتدهور مستمر في شتى مناحي الحياة، ومن مظاهره الجوع، المرض، الفقر، الجهل، الحروب الأهلية، القبيلة، انتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية…الخ فأدت إلى إحداث مشكلات وتحديات داخل هذه الدول كالاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والتدهور الثقافي والأخلاقي والعنف والادمان…الخ ، وتعد هذه من الأسباب الجوهرية لتأخر وإعاقة مصير نمو هذه الدول من اللحاق بركب الدول المتقدمة سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا والثقافيا…الخ، وهذه الدول في مجموعها تشمل كل دول القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية وبعض دول القارة الآسيوية، والجزء الشرقي من أوربا، كما أن لهذه الأسباب وغيرها أصبحت دراسة واقع تخلف اقتصاديات هذه الدول ومعرفة الأسس الكفيلة للخروج من هذا المازق من أولويات علماء الاقتصاد وكل الباحثين والمهتمين في مجال التنمية، وظهرت حديثا محاولات جريئة لتحديد درجة النمو الاقتصادي عند هذه الدول، حيث يذكر أن البروفيسور روستو أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كامبردج في كتابه مراحل النمو الاقتصادي قام بتحليل الأحداث الاقتصادية تاريخيا للدول النامية من حيث درجة النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وقد قام بوضع مراحل معينة لعملية النمو الاقتصادي الذي حدد بأنه عبارة عن نتائج عامة مستنبطة من الأحداث الضخمة التي شهدها التاريخ الحديث، حيث قسم تلك المراحل إلى:
*مرحلة المجتمع التقليدي* وفيها تكون الدولة شديدة التخلف سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، وثقافيا ويتسم اقتصادها القومي بالطابع الزراعي التقليدي، وأهلها يستخدمون وسائل بدائية للإنتاج، كما يلعب نظام الأسرة والعشيرة دورا أساسيا في التنظيم السياسي والاجتماعي.
*ومرحلة التهيؤ للانطلاق* هي فترة انتقال المجتمع من تقليدي إلى حديث، وفيه تكون الدولة متخلفة اقتصاديا، غير أنها تحاول ترتيب اقتصادياتها والتخلص من الجمود الذي يتسم به مجتمعها التقليدي وتتصف بأنها ناهضة وفي طور النمو، حيث يسعى جاهدا للقضاء على أسباب تخلفها والانطلاق نحو التقدم عن طريق تنمية الموارد الاقتصادية والعمل على إحداث ثورة في أساليب الإنتاج والتوزيع وإنشاء الصناعات الثقيلة والنهوض بالزراعة والتجارة ووسائل النقل والمواصلات.
*مرحلة النضوج* : وتكون فيها الدولة متقدمة اقتصاديا وتنمويا، حيث تكون قد استكملت نمو جميع قطاعات اقتصادها القومي من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات بشكل متوازن بحيث تتمكن من رفع مستوى انتاجها المادي والتكنولوجي وزيادة الاستثمار عن الاستهلاك.
*مرحلة الاستهلاك الوفير* :
أنها المرحلة التي تكون فيها الدولة قد بلغت درجة عظيمة من التقدم الاقتصادي يزيد انتاجها عن حاجتها الاستهلاكية، ويعيش سكانها في سعة من العيش الرغد ويحصلون على دخول عالية وعلى قسط وافر من السلع الاستهلاكية وتوفر أسباب الرخاء والازدهار.
في إطار هذا المضمار جربت العديد من الدول النامية مداخل عدة للنمو والتنمية إلا أنها لم توفق في تلبية متطلبات النمو والتنمية فإختلف الباحثون في تفسير أسباب ظاهرة التخلف وضعف النمو، مما أدى ذلك إلى بروز العديد من المدارس الفكرية المتباينة التي أهتمت بدراسة تلك الظاهرة، وهذا ما عددته د.أسماء حسين محمد في كتابها: الدول النامية في العلاقات الدولية، أهمها:
*المدرسة الحديثة* :
إذ يرى أنصار هذه المدرسة أن سبب التخلف يكمن في مجتمعات هذه الدول لافتقارها قيم الحداثة والانجاز (اقتصاد المعرفة، البحث العلمي الحر، سيادة حكم القانون، السوق الحر…الخ) بل ويعتقد أن اكتساب قيم الإنجاز والحداثة على نسق غربي هو الطريق لكسر طوق التخلف الاقتصادي والتنموي، وهو الذي يجب أن تتبعه مجتمعات الدول النامية للتحول إلى مجتمعات حديثة، وذلك عبر إجراء تعديلات جوهرية في الهياكل التقليدية البالية التي تعيق عملية النمو والتطور، وكما يعزون باحثو هذه المدرسة ضعف النمو الاقتصادي إلى ثقافة الإنسان التقليدي المحفز على التواكل، وعدم قدرة الفرد على النهوض بواقعه. أما في مجال الاقتصاد فيرون ضرورة توفير روؤس الأموال الوطنية الكافية، وخلق طبقة مثقفة ثقافة غربية ذات كفاءات في كافة المجالات. بينما في مجال السياسة ينادون تبني الحكم الليبرالي الديمقراطي الذي يجب أن يصاحبه بنيات اقتصادية ليبرالية تسمح بدخول روؤس الأموال والمساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية.
*المدرسة التبعية* :
يرجع منظرو هذه المدرسة أسباب تخلف اقتصاديات هذه الدول إلى الاستعمار الذي تعرضت له هذه الدول من قبل الدول المتقدمة بنهب ثرواتها واستغلال مواردها لصالح شعوب الدول المتقدمة، فضلا عن العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة التي سادت في حقبة ما بعد الاستعمار وما تم من عمليات دمج اقتصاديات الدول النامية في المنظومة العالمية التي تخدم المصالح الاقتصادية العالمية للدول الرأسمالية، الذي من أشكاله: التبعية الاقتصادية. التجارية، المالية، التقنية، الغذائية والعسكرية …الخ. إذ يرى مؤيدو هذه المدرسة أن الحل هو تحرر الدول النامية من اغلال التبعية والاستغلالية التي تمارسها الدول المتقدمة كأساس لبناء العلاقات الدولية…وأوصى أنصار هذه المدرسة بضرورة إحياء البعث الحضاري لمجتمعات الدول النامية حتى تعيد الثقة في قدراتها الذاتية والعمل على النهوض والتقدم نحو الأسمى والمرتجى مع ضرورة إمتلاك إمكانيات وطنية للتحرك المستقل من أجل بناء أمة متطورة ذات رسالة.
*المدرسة البينوية* :
يؤمن محللو هذه المدرسة بضرورة سعي الدول النامية إلى امتلاك قاعدة صناعية متطورة كسبيل للتقدم والانطلاق نحو التقدم بدلا من الإعتماد على الطرق التقليدية في الإنتاج، كما يسعوا إلى ارجاع حالة التوازن للنظام الراسمالي العالمي وإزالة العوائق أمام هذه الدول.
*مما تقدم* نجد أن مظاهر التخلف الاقتصادي في هذه الدول يكمن في عدة أوجه إبتداء بالنمو السكاني غير المتوازن مرورا بالأمية والتخلف التقني وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والموارد البشرية غير المدربة والتخلف الاجتماعي والثقافي والاخلاقي انتهاء بالتدهور البيئي. وللتخلص من هذه الدائرة الشريرة والمأزق الذي تعيشه هذه الدول لا بد من اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية شجاعة تعجل بوتيرة النمو الاقتصادي وذلك باستغلال الثروات والموارد الاقتصادية على الوجه الأمثل وهذا لا يتأتى دون إمتلاك قاعدة صناعية متطورة وإكتساب قيم الحداثة والانجاز المتمثل في( سيادة حكم القانون، اقتصاد المعرفة، البحث العلمي الحر، اقتصاد السوق الحر…الخ)، من أجل إحداث النهضة التنموية الشاملة والتخلص من مظاهر التبعية الذي يخدم مصالح الدول المتقدمة الناهبة لثروات وخيرات البلدان النامية.
*وعلى سياق ما تقدم ذكره هل تستطيع الدول النامية من كسر طوق التخلف الذي تعاني منه الآن! إلى آفاق النهضة التنموية الشاملة!!؟*

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.