الحرب إلى أين؟ حينما تخلط المليشيا بين الجغرافيا والوهم

حوازم مقدم

لا يكاد المشهد السوداني يلتقط أنفاسه من صدمة حتى تفاجئه المليشيا بجبهة جديدة. هذه المرة، قررت التمدد شمالًا نحو الحدود السودانية الليبية المصرية. وجهة غير مفهومة، إلا لمن فهم العقلية التي تحكم هذا التمرد: عقلية لا تعترف بسيادة، ولا تعنيها مصلحة، ولا تؤمن بدولة.

ما يحدث شمالًا ليس إلا تجريبًا جديدًا في كتاب الفشل العسكري. فبعد أن أُنهكت المليشيا في الخرطوم، وأُربكت في كردفان، وضاعت بوصلتها في دارفور، قررت أن تجرب حظها شمالًا، ظنًا منها أن الطريق إلى السيطرة يمر عبر الرمال والحدود.

عبد الرحيم، أحد قادة هذا التيار الدموي، صرح في لحظة صفاء ذهني – أو انكشاف نادر – أنهم أخطأوا باحتلال الخرطوم، وكان الأجدر بهم السيطرة على الشمالية. الآن يحاول تصحيح هذا “الخطأ الاستراتيجي”، متوهمًا أن الشمالية بلا رجال أو تاريخ أو دفاع. لم يقرأ جيدًا ما كتبته مقاومة دنقلا، ولا ما حفظته ذاكرة الشمالية من دروس الصمود.

المليشيا تلعب على كل الحبال… وتقطع آخرها

فتح جبهة الشمال ليس فقط رغبة في التوسع، بل أيضًا محاولة يائسة للتغطية على التخبط غربًا، حيث تقاوم الفاشر ببطولةٍ حصارًا لا أخلاقيًا، وتعيش مدن دارفور تحت ضغط اقتصادي وإنساني بالغ. وبينما يطالب عبد الرحيم الأهالي بإخلاء المدن، يكشف عن هشاشة مشروعهم، لا قوتهم.

الأدهى من ذلك، أن المليشيا باتت تتحدث عن مصر، لا بوصفها شريكًا في الأمن الإقليمي، بل كعدو محتمل. التلميحات المكررة حول “قطع الطريق إلى مصر” لا تخدم إلا أعداء السودان، وتُظهر أن المشروع التمردي لم يعد يفرّق بين عدو وجار، بين حليف وممر نجاة.

الجيش السوداني: ثابت رغم العواصف

القوات المسلحة السودانية، رغم ما تواجهه من ضغوط داخلية وخارجية، تظل صامدة، لأنها تحمل مشروع الدولة، لا مشروع الغنيمة. ورغم محاولات التشتيت وتفتيت الجبهات، لا تزال تمتلك زمام المبادرة، وتملك من القوة والشرعية ما لا تملكه مليشيا تمارس القتل وتراهن على الوقت.

أما أهل الشمالية، فالرمال التي تحاول المليشيا عبورها اليوم، حفرت فيها أقدام مقاتلين لا يعرفون التراجع. التجربة ستكون مُرّة لمن ظن أن السودان بلا عمق، وأن الجغرافيا مجرد مسرح مفتوح للعبث.

خلاصة القول: لا شمال يُباع، ولا حدود تُداس

ما يحدث اليوم هو محاولة أخيرة من مشروع مهزوم للبحث عن نصر وهمي. لكن الواقع يسبقهم دائمًا بخطوة، والتاريخ لا يرحم من يحاول تزويره. الشمالية لن تكون بوابة جديدة للدمار، بل ستكون بوابة الرفض، والصمود، والردّ الحاسم.

فمن يطرق أبوابها معتديًا، عليه أن يتذكر أن (العبرة بالخواتيم)

وافر الاحترام والتقدير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.