شجرة الحياة ياوزير الثقافة .. !!

من فترة طويلة قرأت “شجرة الموت “لبركة ساكن ثم ندمت لأن النص كان جرعة مكثفة من الانسانية والعمق والجمال الأدبي ، حاجة كده أكبر من قدرتي على التحمل فأدمنته حتى سكنت تفاصيله في نافوخي وابت تطلع
.
كنت أعود الى النص فتعود لي تفاصيله العميقة او تظهر امامي بعض ملامح الحياة فتعيدني اليه .. اتخيل شجرة النيم الكبيرة وعنقريب الجنقاوي تحتها وربما أسمع حفيف أوراقها و صوت دقات قلب الجنقاوي وهو يكافح الالم بصبر كبير .. تتحدث عيونه عن فداحة انتظار الموت بلا أمل وتخبرنا ملامحه عن اعجوبة الصحاب الذين يزورون الجنقاوي او يتفقدون مكانهم المرتقب ..

عادت الى تفاصيل النص دفعة واحدة وانا اطالع خبر وفاة الاعلامي الكبير محمد سليمان ، في البدء شعرت ان الخبر قديم ثم لاحت لي شجرة النيم ثم كامل النص ثم أين كنت أنا أو كان هو طوال الفترة الماضية بعد ان ظل يزرع فيافي الاعلام بالجمال دون ان ينتظر حتى المطر ، هل كان يتظر الموت تحت شجرة الاهمال المؤسسي الوارفة ..

لماذا المبدع لدينا يظل يزرع الجمال والفن ويطعم وجدان الاجيال ثم يخبو فينتظر الموت او يموت فعلا وحينها فقط تضج الاسافير بالحروف و تبرمج الاحزان و تعرض صورته مع الرفاق ليوم او اثنين ثم ينتهي كل شئ فلا أحد يتذكر ولا مؤسسه ترعى ولا كيان يتعهد ولا جامعة تدرس من أجل أن تسطر في اسفار التاريخ بعض المجد المنتظر ..

جميعنا كحال جنقاوي شجرة الموت نظل نحفر الصخر ونزرع المساحات بالفن والشعر والبرامج والتضحيات ثم يخور الجسد فتتركه الدولة ومؤسساتها لقدره وظروفه الخاصة ليموت او ينتظر الموت ..

انا اتحدث عن شئ فوق العطاء المادي شئ يتجاوز صناديق الدعم والميداليات والدروع وامر يتجاوز الوضع الخاص ؛ انا اتحدث الاهتمام بدراسة التجربه واظهارها للاجيال اتحدث عن فعل يجعل المبدع يرى بام عينيه نتاج ماقدم …

كم عدد الدراسات والرسائل العلمية التى تناولت تجربه القدال او حميد او محمد وردي او امير تاج السر او نادر خضر او محمد سليمان او السر قدور او بابكر صديق وغيرهم ..

وكم عدد الكليات الجامعية والمعاهد الادبية والفنية التى يمكن ان تحي بالتنقيب تلك التجارب للأبد فيتداولها الاجيال وتطيل اعمار المبدعين فلا يعتيرهم تقاعد ولا يغشاهم موت ..

انا لا اعرف ما يغعله وزير الثقافة حين يأتي الى مكتبه كل صباح ولا افهم ما تقوم به مؤسسات الدولة في بلدي ولا ابرئ نفسي ..

تغمد الله محمد سليمان وجميع الرفاق بواسع رحمته .

أنا لله وأنا اليه راجعون ..

أسامة رقيعة ..
دبي / العاشر من يناير ٢٠٢٣م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.