أيتها (الساكنة) في القلب وفي جوف الضلوع

الخرطوم : عزمي عبد الرازق
اسمها ساكنة، ساكنة حسبو، هذا كل ما تتذكره من اسمها، حملها شقيقها إلى الخرطوم ثم مات، قبل أربع سنوات، أو أكثر من ذلك، لا تعرف بالتحديد ولا تعبأ بتعاقب الأيام، وجدت نفسها وحيدة، وجدت نفسها هنا، في دار المُسنات بالسجانة، تحظى بقدر من الرعاية والدلال، كل نهاية أسبوع تأتي طالبات جميلات من جامعات مختلفة، يمشطن شعرها ويغسلن أقدامها ويضعن عليها شتول الحناء، مثل حفيداتها كما تنظر إليهن، تصنع لهن أجواء القهوة البهيجة، تغذ الخطى في السيراميك المحطّم بأقدام أرهقها الروماتيزم، كأسنانها التي تساقطت واحدة بعد الأخرى، في يدها سبحة، وتتدلى من عنقها محفضة قديمة، وحبات ودع ساحرة تزين يدها اليسرى، وعلى خدودها التى خط الزمن عليها تجاعيده تبدو وداعة الحبوبات، ثم ترى امرأة ودودة تحب الناس كلهم بلا استثناء، وتحكي قصص مجنونة، تنتمي لجنس الواقعية السحرية، وقد خطت صاحبة الدار، آية أم موسى، بِنْت لاَوِي، أو المتوكلة، حين أوفى ربها بوعده {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها}، فمن يرد لساكنة أولادها؟ ذاك هو الحال في دار المُسنات التي أنشأتها سيدة سودانية في العام ١٩٣٥، كوقف، دون أن يذكرها التاريخ، أي تلك المرأة الغامضة الخيّرة، وفي العام ١٩٩٩ أُلحقت بوزارة الشؤون الإجتماعية، وقد عُمرت بعد ذلك، رغم قلة عدد المُسنات اللواتي يقطن هنا، نظراً للإجراءات المُشددة بحيث لا يُسمح للأسر بوضع أمهاتهم فيها، ولا أي فعل يند عن مألوف وقيم الشعب السوداني، إلا اللواتي ليس لهن أهل، أو خرجن فباغتهن الزهايمر، وضللن طريق العودة، وهو ما رأيناه في صحبة البروفيسور محمد الأمين أحمد إسماعيل، جراح القلب والصدر الشهير، الذي حين توغل برفق داخل الدار، طفرت منه دمعة، وفاضت إنسانيته، فتبرع لأهل الدار بما يتطلبه الشتاء العنيد، واقترح عليهم نادي صحي ورياضي يناسب تلك الأعمار، وتعهد برعاية الفكرة، ليؤثر بذلك في أصحاب النيات الحسنة، لزيارة الدار وأهلها، الذين هم في أمس الحاجة لمن يفتقدهن، هم، هنا إذ تعيش “15” امرأة، وفي دار المُسنين أيضاً ببحري حيث عدد الرجال أكبر، ولعل إبن الشرق الهُمام وصاحب كلية زمزم الجامعية بروف محمد الأمين بمبادرته الإجتماعية هذه يشرع نافذة للأمل، ويوطئ كنفه وأخرين لذو الشيبة، ثم يذكرنا بقوله تعالى “وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرا”
ملحوظة: ممنوع التقاط الصور ولذلك لم نأخذ صورة للحاجة ساكنة ولا لأي نزيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.