الخريج الجامعي .. عندما يحصد ثمار رغبة الآخرين

 كتبت : آلاء فقيري

يوم تخرجه وضع الشهادة جانبا .وصعد إلي المسرح وقال : “مرحبا ،مساء الخير ،علي أن أخبركم جميعا أنه لاطائل من وجودكم هنا !.. جميعكم فارغون اتيتم إلي المكان الخطأ ..” صرخ بصوت عال مباعدا مابين فمه والمايكرفون يقول : “أبي ،هل تسمعني؟ أين أنت !..هل أنت مسرور بما وصلت إليه ؟تخرجت الأن من كلية الهندسة التي تعجبك ولم أحبها يوما .. أمي ،سلام من الجنة عليك ،أصبح ولدك مهندسا كبيرا ،متفوقا ،تهانينا لقد ربيتي وكبّرتي وعلّمتي !. الحضور الكريم طبتم وطابت لياليكم ،ولاوضعكم الله في موقف مشابه !. إنه الجحيم ،أنها الهندسة ،إنها الجميلة ،إنه التفوق الأكاديمي ،التميز ،الأضواء ،الشهرة ،كل شيء ،كل شيء سادتي وأنا أشعر باللاشيء ! أشعر باللاشيء حضرات الأساتذة الكرام ، أتعرفون مااللاشيء ؟! إنه الصوت الداخلي الذي بدأت أسمعه منذ أول محاضرة ،الوسواس القهري الذي أصابني بعد أول إمتحان في هذة الجامعة ،ذلك الصوت الذي يردد علي مسامعي أن لا مكان لي هنا ولا أجيبه إلا داخليا، ويبدو واضحا عند استيائي ولكن لاأستطيع التجاوب معه فعليا؛ لأن والدايَّ سيستاءان ويصابان بالضغط والسكريّ إن لم أحقق رغبتهما في أن أصبح مهندسا عظيما يشار له بالبنان . وهائنذا أمنحهم كل ماطلبوه ،أطلب منهم الرحمة الأن ،لن أكمل هذا المشوار ،…. أنا أستقيل !.” صرخ بصوت عال وقال: ” بروف فلان ،أتري هذا المعدل الخرافي ؟ هذه العلامات الفخرية!!؟ ،مرتبة الشرف الأولي! ،وميداليات التميز والتفوق في مسابقات الإختراعات الدولية؟إنها لطالب لم يحلم بالهندسة قط ،ولم يتمني أن يحبها أبدا ،طالب ضغط علي نفسه فقط ليبلغ الشهادة ، ويوم بلغها أستحقر نفسه جدا لأنه لم يلبي نداءه الداخلي الأول حينما كان في صفه الأول ،يتخبط بين أبواب العلم ،طارقاً مايطيق ومالايطيق ليصل إلي مكانةٍ مرموقة توفر له حياة يتمناها الملايين ويستحقرها هو !.. يال العجب ،أفي بلوغ المرامي غمار الوجع ؟ أفي عبور الفيافي جروح التناقض ؟” بحّ صوته ،وخر أرضا يبكي ويقول : “لاتستمروا في شيء لايرتاح له قلبكم ،لاتستمروا في طرق ملتوية وإن أفضت إلي طرق مستقيمة ، لاتنافسوا أطفالكم في رغباتهم ، فحياتهم ليست بحياتكم ومناصبهم لن تنفعكم إن لم تنفعهم !…” رمي المايكرفون ، وبدلة التخرج وخلع ساعته وذهب يكتب ، مضي في سبيله يبحث عن حروف تصف حاله ،فلاشيء يُحكي ،قد يستطيع الكتابة ، فالوجع ممنوع في الحديث ، مرغوب في الكتابة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.