كتب : عمر الدقير
أفادت الأنباء الواردة من مدينة الأبيض الأسبوع الماضى أن مجهولين تسلّلوا – تحت جنح الظلام الذي ينتمون إليه – إلى ميدان الحرية الذي وُضِع فيه نصب تذكاري يرمز لشهداء الثورة، أنجزته مجموعة من الفنانين التشكيليين “مجموعة كورتريه” على هيئة تمثالٍ لشابٍّ يحمل حقيبةً ويُلوِّح بعلامة النصر، حيث قام أولئك المجهولون بقطع رأس التمثال .. قامت المجموعة الفنية بترميم النصب التذكاري في وقتٍ قياسي وأعادته لمكانه يوم أمس، ولكن عاد المعتدون وحطّموه مرةً أخرى فجر اليوم!!
بالطبع لم يكن شهداء الثورة رؤساء دول مثل أولئك الذين تهاوتْ تماثيلهم بضربات المتظاهرين الغاضبين عقب الإطاحة بحكمهم .. ويبدو مثيراً للاستنكار والدهشة والشفقة، في آن واحد، لو أن دعوى التصنيم (أي نَصْب التماثيل للعبادة) هي ما دفع أولئك المجهولين إلى الاعتداء على نصب الشهداء المُنتصِب بساحة الحرية في مدينة الأبيض، فالمعتدون على النصب التذكاري يعلمون جيداً ألّا أحد من الناس يعبده أو يُقدِّم له القرابين والنُّذور، وأنه ليس سوى تعبيرٍ فني عن الوفاء والتكريم للشهداء، والاحتفاء بالمعاني النبيلة التي راحوا في سبيلها.
الأرجح أن الذين راغوا ضرباً باليمين على النصب التذكاري للشهداء كانوا في حقيقة الأمر – من جهة – يستهدفون رمزية الثورة والحرية وكل القيم النبيلة التي من أجلها جاد أولئك الشهداء الأبرار بأرواحهم، ومن جهةٍ أخرى لأنهم يكرهون الإبداع والجمال ويسوؤهم الحضور الزاهي للغة الحجر البليغة التي تحكي، ضمن ما تحكي، عن كيف يمكن أن تكون الحرية أغلى من الحياة نفسها ولذلك يموت الشهداء دفاعاً عن الحرية رغم أنهم لن ينعموا بها وإنما ينعم بها ورثة الدم – الذين هم عموم أبناء وبنات الشعب السوداني الذين تشققت شفافههم من الظمأ للحرية طوال ثلاثين عاماً – وذلك هو أعلى مراتب السمو والإيثار والتجوهر الانساني في معنى البطولة والفداء.
تحطيم النصب التذكاري للشهداء لن يمحوهم من ذاكرة شعبهم أو يزيل أسماءهم من أنصع صفحات كتاب تاريخ الوطن، ولن يُحطِّم إرادة التغيير في نفوس السودانيين.