من “يفغيني بريغوزين” مع الحب! هل نحتاج بالفعل لإغاثة روسية؟

بقلم: محمد إبراهيم
“من روسيا مع الحب” هو عنوان لأقوى سلسلة أفلام جيمس بوند والذي أنتج في الستينيات من القرن الماضي، وحقق الفيلم حينها أرباحاً خيالية، إذ تدور قصته حول منظمة إجرامية روسية تسعى لتدريب عملاء لقتل وتصفية جيمس بوند بواسطة الإستخبارات الروسية، وتشويه سمعة البطل والمنظمة التي ينتمي اليها مستخدمين في ذلك مهندسة تشفير للإيقاع بجيمس بوند، وذلك إنتقاماً من مقتل أحد العملاء الروس في جامايكا. وهنا في السودان، وفي منتصف أبريل الماضي، إختار رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين إسم الفيلم “من روسيا مع الحب” عنواناً لحملة توزيع السلال الغذائية على الفقراء والمساكين من السودانيين في مناطق شرق النيل والحاج يوسف، حيث قامت المنظمة التي يترأسها بريغوزين بتوزيع عدداً من السلال الغذائية التي تحتوي على العدس والأرز والدقيق والبسكويت على الفقراء من السودانيين. وتم تغليف المساعدات بريغوزين بصور العلم الروسي، ومكتوب عليها عبارة “من روسيا مع الحب” و “من يفغيني بريغوزين”.


وكان من المخطط توزيع هذه السلال الغذائية في بداية شهر رمضان المبارك حيث تعود السودانيين على إستقبال السلال الغذائية من الدول العربية والمسلمة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر، ولكن كان غريباً على الكثيرين أن تقوم دولة مثل روسيا التي لا تربطها اي علاقات أو روابط عقائدية مع السودان بتوزيع تلك المواد الغذائية، اذ تعود محتاجي البلاد على قبول الهبات والصدقات من الدول العربية والمسلمة، لا سيما أن رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين الذي زينت صورته أغلفة السلال الغذائية هو الرئيس لمجموعة مرتزقة فاغنر الروسية سيئة السمعة، وهو المطلوب دولياً لدى الولايات المتحدة لتورطه في التأثير على الإنتخابات الأمريكية في العام 2016 ودعمه لحملة دونالد ترامب الانتخابية، كما ظهر اسمه من قبل في القضية الشهيرة الخاصة بوكالة أبحاث الانترنت، التي تتخذ من مدينة سانت بطرسبيرغ الروسية كمركز لها وتقوم بإختلاق حسابات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التأثير على الناخبين الأمريكيين، كما يفرض الإتحاد الأوروبي على يفغيني عقوبات بسبب أنشطة مجموعة فاغنر في ليبيا، وتقديم الدعم لمجموعات المرتزقة “مما يشكل تهديدا لسلام واستقرار وأمن ليبيا”.
لكن عزيزي القارئ ، هل تعلم أنه في ذات الوقت الذي يحاول فيه رجل الأعمال الروسي ، رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين تحسين صورته في السودان بتوزيع العدس والأرز والدقيق على الفقراء والمساكين في مناطق الحاج يوسف، في ذات التوقيت، تعمل قواته المرتزقة في جمهورية جنوب أفريقيا على قتل المسلمين من الأطفال والنساء في جريمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها جريمة حرب.
إذ جاء في تقرير استقصائي أعدته شبكة “سي أن أن” ونشر في الخامس عشر من يونيو الجاري تورط مرتزقة فاغنر الروسية في اقتحام مسجد وإعدام عشرين مدنياً من المسلمين كانوا داخله خلال شهر فبراير الماضي، وبحسب التقرير الذي أعدته شبكة “سي إن إن” بالتعاون مع منظمة “ذا سنتري” غير الحكومية، فإن مجموعة من مرتزقة “فاغنر” الروسية، بالمشاركة مع قوات حكومية وبدعم من مروحية قتالية هاجمت مسجد “التقوى” في مدينة “بامباري” وسط البلاد، وأعدمت 20 مدنياً من المسلمين كانوا بداخله.
ودخلت مجموعة المرتزقة الى المسجد، بزعم منها مطاردتها عناصر من جماعة “سيليكا”. وجاء على لسان إحدى الناجيات من المجزرة وتدعى “فطومة” أن جميع من كانوا في المكان هم من “الأبرياء”، ولم يتم العثور على أي عنصر من “سيليكا” في المسجد، مضيفة: “لقد قتلوا المدنيين فقط، لم نر حتى جثة متمرد، لقد قتلوا أطفالنا”.
ولفت التقرير المصور الموجود على صفحة سي أن أن على الإنترنت إلى حدوث “عمليات إعدام بحق المسلمين وغيرهم من المدنيين الذين لم يشاركوا في أي أعمال قتالية”،وأضافت مصادر “سي أن أن” أن عددا غير معروف من المرتزقة السوريين الذين كانوا يقاتلون لصالح “فاغنر” كان جرى قد جرى إحضارهم بالفعل من ليبيا عقب انتهاء القتال هناك. وقالت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالمرتزقة في تقريرها عن الحادث الذي وقع في بامباري إن المرتزقة الروس متهمون “باستخدام القوة المفرطة وقصف المواقع المحمية مثل المساجد ومعسكرات للنازحين”. إنتهى تقرير الـ سي أن أن.
وللعلم أن جمهورية إفريقيا الوسطى انزلقت إلى الفوضى في مارس 2013 عندما أطاح مسلحو تحالف جماعة”سيليكا” وأغلب عناصرها من المسلمين بالرئيس فرانسوا بوزيزي الذي تناصره مليشيات “أنتي بالاكا” المسيحية والمدعومة من فرنسا.
ما أقترفته أيادي مرتزقة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى يرقى الى جرائم حرب بحسب المحللون الذين تحدثت اليهم الـ سي أن أن، وما يحاول رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين فعله في السودان بغسل يديه الملطخة بدماء المسلمين من جمهورية أفريقيا الوسطى في أرض السودان الطاهرة وخداع المساكين من السودانيين بالسلال الغذائية ، هو جريمة حرب أخلاقية أخرى تحاول مجموعة فاغنر تنفيذها في السودان تحت ستار العمل الإنساني ومساعدة الشعب السوداني، فقدمت فاغنر الحلوى الروسية الشهيرة من ماركة “تولا” بيدها اليمنى لأطفال السودان، بينما كانت اليد اليسرى تصفع وتقتل أطفال المسلمين في مسجد التقوى في مدينة “بامباري” بجمهورية افريقيا الوسطى.
بالرغم من أن مجموعة فاغنر هي شركة مرتزقة خاصة ، إلا أن الخبراء الأمنيون يعتبرونها أداةً سياسيةً في يد الحكومة الروسية، ويتم إرسالها الى المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للمصالح الروسية بهدف تعزيز المكانة العالمية لروسيا، إذ تقوم المجموعة بعمليات متعددة بالوكالة لصالح موسكو في أفريقيا دون الحاجة للزج بقواتها العسكرية النظامية، بينما تنفي موسكو وجود أي قوات تابعة لها في هذه القارة، ونعلم أن فاغنر تنشط أيضًا في مجال المعلومات ومحاولة توجيه الرأي العام داخل الدول الأفريقية، وذلك من خلال استغلال تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمتلك فاغنر حسابات على إنستغرام وتلغرام وفيسبوك.
بالرجوع الى أرز وعدس رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، كلنا على علم بالضائقة المعيشية التي يعيشها السواد الأعظم من السودانيين، ولكن هل نحتاج في السودان بالفعل الى الإغاثة التي تقدمها مجموعة مرتزقة، وتحت أي مسمى إخلاقي سنسمح لأنفسنا بقبول مثل هذه الهبات والصدقات! ونعلم تمام العلم أن من شروط وفضائل قبول الصدقات أن تكون الصدقة والمال المتصدق به من كسب حلال طيب، لأن الله طيب لايقبل إلا طيباً، وتحت أى مسمى سعى بريغوزين لتوزيع هذه المواد الغذائية؟! هل يحتاج فقراء السودان لتناول الأرز والعدس الملطخ بدماء المسلمين في سوريا وليبيا وافريقيا الوسطى!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.