كردفان تنادي.. لا تحرير ناقص ولا عدالة مجتزأة

حوازم مقدم

غابت أخبار متحرك الصياد، وغاب معها الوجع اليومي الذي يحمله أبناء كردفان على أكتافهم بصمت مؤلم، بينما انشغل الجميع بحكومة “الأمل” وتقاسم “كيكة السلطة”، وكأن البلاد قد استقرّت، وكأن الحرية قد اكتملت، وكأن الحرب لم تترك خلفها جغرافيا ممزقة وناسًا أنهكهم القهر والنزوح والجوع.

أهل كردفان، يا سادة، يعيشون اليوم واحدة من أصعب اللحظات في تاريخهم الحديث. موجات نزوح غير مسبوقة منذ أكثر من أربعين عامًا. أسعار تتضاعف دون رقيب، وتعليم مشلول، وزراعة متوقفة، وحياة تُختصر بين الخوف من قذيفة، أو جوع يفتك، أو مَنجل مليشياوي يغتال حلم البقاء.

أين الصوت الذي يتحدث عن كردفان؟ لم نسمع عن مشاورات تخص أبناءها. لم تُطرح قضية نصيبها من السلطة، وكأنها طرف غائب عن الخارطة السياسية. بينما الكل يطالب ويُساوم على نصيبه من السلطة، كردفان لا تزال تئنّ في صمت، تحت ويلات الحرب وسياط التجاهل.

التحرير الذي نتحدث عنه يجب أن يكون شاملًا، لا انتقائيًا. لا يمكن أن يتحرر وسط السودان وتبقى كردفان رهينة نيران المليشيات. لا يمكن أن نرى الحماس لتحرير الجزيرة وسنار وسنجة والخرطوم، ونغض الطرف عن قلب الوطن الغربي الذي يتعرض لأبشع صور الانتهاك.

كردفان ليست هامشًا. كردفان جزء أصيل من نسيج هذا الوطن، وقدّمت من الشهداء والأبطال ما يكتب بماء الذهب. من أبناء القوات النظامية، ومن المدنيين الذين واجهوا المليشيات بصدر مفتوح، ومن النساء اللائي صمدن رغم النزوح والجوع والخوف.

ليس من العدل أن تُعطى الاستحقاقات فقط بناءً على ما تُمسكه اليد من بندقية، بل على ما يحمله العقل من رؤية، وعلى ما يُبذل في سبيل الوطن من تضحية. كردفان تستحق أن تُحرّر أولًا، وأن يُعترف بحقوقها ثانيًا، لا أن تُترك لتكون ميدانًا دائمًا للحرب، ومنصة انطلاق للمليشيات.

نقولها بوضوح: نريد التحرير الكامل لكردفان، ثم بعدها الحديث عن نصيب السلطة. نريد خطة عاجلة لإغاثة أهلنا، لإعادة الحياة إلى المدارس، لإحياء الزراعة، لتأمين القرى والمدن من صواعق الخريف وغارات المليشيات.

كردفان لا تسأل ما ليس لها، بل تسأل فقط ما تستحق. تسأل صوتًا، وموقفًا، وعدالةً، وحرية.

فهل من مجيب؟

وافر الاحترام والتقدير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.