إبراهيم عمر(صاروخ) يكتب .. عن الإحتراب والحيادية ما بين التقليدية والحداثة

شاطئ السلام  د. إبراهيم عمر(صاروخ)_  باحث في قضايا السلام والتنمية
ظهرت العديد من النظريات في مجال العلوم الاجتماعية تفسر عن التقليدية والحداثة من بين هذه النظريات النظرية التقليدية والحداثة الذي يعتبر من اقوى النظريات لتفسير وتحليل الظواهر الاجتماعية التي تعرف بأنها النظرية التي تفترض أن المجتمعات البشرية يمكن تصنيفها في محورين متقالبين متضادين، هما المجتمع التقليدي والمجتمع الحديث وبين هذين المحورين تصنيف لمجتمع ثالث فضفاض في صفاته وتبعاته وسلوكه يعرف *بالمجتمع الانتقالي(مجتمعات دول العالم الثالث)* ذلك المجتمع الذي تحول من مرحلة المجتمع التقليدي ولم يصل إلى مرحلة المجتمع الحديث، إن هذا *المجتمع الانتقالي* هو الذي يجسد واقع مجتمعاتنا المعاصرة لان الإنسان الانتقالي يستصحب معه العديد من صفات المجتمع التقليدي حتى بعد أن يتغير من الناحية الشكلية إلى مرحلة الانتقالية سيظل يحمل صفات وسمات تلك المجتمع.
هذه *التصنيفات* قد ابتكره علماء الاجتماع في القرن التاسع عشر من أمثالهم ( ديركهايم، تونيس وآخرون) *والمحدثين* من علماء علم الاجتماع في القرن العشرون من أمثالهم( ماكس فيبر. تالكوت وآخرون).
كل هؤلاء العلماء أجمعوا على انقسام المجتمعات البشرية إلى المحورين آنفة الذكر، حيث ركزوا في دراساتهم وبحوثهم العلمية على خمس ركائز للمقابلة بين المحورين المتضادين، وهما:
~*مرحلة التقليدية:*~
– *الركيزة الأولى* : الاحتراب.
– *الركيزة الثانية* : التسيير الذاتي.
– *الركيزة الثالثة* : النظرة المحلية.
– *الركيزة الرابعة* : الوراثة.
– *الركيزة الخامسة* : الاطلاق.
**مرحلة الحداثة:*
– *الركيزة الاولى* : الحيادية.
– *الركيزة الثانية* : التسيير الجمعي.
– *الركيزة الثالثة* : النظرة العالمية.
– *الركيزة الرابعة* : الكسب.
– *الركيزة الخامسة* : التدقيق.
في هذ المضمار قدم البروفيسور المغفور له بإذن الله /آدم الزين أستاذ أنظمة الحكم والادارة ومناهج البحث العلمي، جامعة الخرطوم محاضرة عن ركيزة *المقارنة لاولى* (الاحترابة والحيادية)، مبينا أن طغيان الاحترابة تقود دائما إلى الاقتتال والمقصود بالاحترابة هو ميل الفرد لرؤية الآخرين في إطار عاطفي فالآخر عنده إما صديق أو عدو، خير أو شرير، يضمر السوء أو يجلب الخير، مواطن صالح أو عميل، مخلص أو خائن، لا مجال لديه للحيادية، الأشياء عنده فهي إما صحيحة أو خطأ، مرغوبة أو مرفوضة معتقد ان الفرد الآخر يضع مصلحته في المقام الأول ومن الاسلم ألا يضيع هو مصلحته في المقام الأول، كما أنه لا يقبل الحوار، مستبد الرأي. كل ذلك تأسيسا على المنطلقاته الذاتية للفرد التقليدي.
*وتجئ المقابلة في حيثيات النظرية من القول بأن انسان* *المجتمع الحديث* يفترض فيه الحيدة في الأفراد الآخرين وفي الأشياء من حوله ويتعامل معهم وفقا لذلك واضعا في الاعتبار بان هناك ضوابط وقوانين اجتماعية يراعيها الجميع الذي تشكل القاعدة السلوكية لديهم.
بصرف النظر عن دقة هذه المقابلة، فإن هناك العديد من الشواهد في عالم الإنسان التقليدي الدالة على سيادة النظرة الاحترايبة العدوانية للآخرين مقسما الناس إلى( *نحن* )، ( *وهم* )، حيث يرجع ذلك إلى التداعي التلقائي العدواني للإنسان التقليدي، على سبيل المثال أنه يتصور ويتوهم بأنك معاد له ولذلك فإنه يقابلك بشعور معاد بصرف النظرف عن شعورك الأصلي ومواقفك، نتج عن ذلك ان تكون شخصية الإنسان التقليدي محدود الإدراك والمبادرة؛ ويكون إمعة يتبع الآخرين ويكون تواكليا قدريا بدرجة كبيرة وسلبيات في أغلب الاحيان، *فله* *العذر* .
وصفوة القول هو أن هذه السمات لإنسان المجتمع التقليدي ستتغير بمرور الزمن لأن جميع المجتمعات البشرية في عالم اليوم تعيش المرحلة الانتقالية بما فيها إنسان مجتمع الحديث، حيث لا حدود للحداثة لأنها عملية مستمرة ومتجددة. وبناء على الدراسات والبحوث للعلماء أكدوا بأنه لا يوجد على وجه الأرض إنسان تقليدي صرف لم يمسه التغيير قط، ويعزى هذا الفضل إلى إنكسار وتحطيم حلقات العزلة المكانية والفكرية والأمية الأبجدية كأسباب جوهرية لتلك المرحلة واتجاه الإنسان نحو التواصل والتداخل والاندماج متجاوزا حدود مجتمعه الصغير المغلق الذي بموجبه أصبحوا سكان العالم كقرية واحدة منتميين الى المجتمع العالمي الكبير لأن انتشار المعرفة وثورة التكنولوجيا الحديثة والاعلام الحر والانفتاح العالمي وسيادة القيم ومبادئ الديمقراطية أدى إلى اختراق واحداث التغيير الجذري في البنية المجتمع والتركيب الاجتماعي لكل المجتمعات البشرية في جميع نواحي الحياة ودروبها، وبالتالي التقليدية إن لم تتغير في الصفات البدائية فإنها في طريقها إلى التغيير.
إنها فقط مجرد مرحلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.