حروف حرة…اللواء الطيب عبد الجليل يكتب ..موات الوظيفة العامة في السودان

أتابع مشهد آداء الخدمة والوظيفة العامة في كافة انواعها بحسب صلة الوظيفة بمؤسسات أجهزة الدولة الخدمية. ومن متابعتي أجزم تماماً بموات الوظيفه العامة بأطياف تنوعها في دواوين أجهزة الدولة الثلاثة في قلم كتابها الشخصي، وكذلك في عقلها الشخصي المهني الفني، وقولي هنا على افتراض إن كان السودان بمقياس الحدّ الادنى المعياري يتمتع بمواصفة الدولة المعاصره الحديثة المحترمة، أي الدولة المَعرّفة دستورياً بدولة المؤسسات ودولة القانون، ودولة احترام حقوق الإنسان. والدولة المَعرًفة ادارياً بدولة تقسيم العمل لتجويد الخدمة العامة نوعاَ وكماَ وكيفاَ نوعياَ، بتوزيع الاختصاصات والسلطات بين أجهزة مؤسسات كيان الدولة، لتقديم وظيفة خدمتي الأمن والحماية لمواطن الدولة واقليم الدولة.
والوظيفة والخدمة العامة بتشلكلها وانواع مسمياتها لتقديم الخدمة العامة نوعان، أولاها الوظيفة الادارية الديوانية الكتابية في قلم ديوان أجهزة ومؤسسات الدولة، لبيان لسان حال الدولة الخطابي الكلامي. والنوع الثاني للوظيفة العامة هي المُنتَج النوعي للعقل البشري المهني الفني التخصصي، لغائية حفظ وتطوير وتعزيز وحماية حقوق مواطن الدولة، وبما في ذلك، المقيمين في الدولة من الأجانب. وبما في ذلك، مُنتَج الوظيفة العقلي لحفظ كيان الدولة، وبسط سلطة هيبة الدولة على مواطينها وإقليمها.
هذه الوظائف في تشكلها وتناغمها وتكوينها الكتابي الديواني والمهني التخصصي، كلاهما وظائف بهما تحفظ الدولة كيانها الشخصي والاقليمي والسلطوي. لأن الوظيفة العامة هي أداة السلطة الناعمة القاهرة والجبرية التي من خلالها تبسط الدولة قدرتها المادية لإدارة مرافقها الخدمية، لتقديم خدماتها النوعية لمواطينها.
لا أفهم، وإن كنت في ذات الوقت أفهم، لماذا عجز الدولة في تقديم خدمة سيادية الطابع، وستة شهور مضت من تاريخ طلب الخدمة السيادية، ولا ضوء يبدو في الأفق، وعلى الرغم من المتابعة الراتبية، ووعود تقديم تلك الخدمة، واستشهادي بما ادفع به من قول، لإلمامنا المعرفي لنحو أربعة عقود بمنهحيات وطريقة تقديم تلكم الخدمة.
ومن الفشل والتردي البين والواضح لعجز وعدم قدرة جهاز إدارة الدولة(الحكومة الافتراضية في السودان)، بِدَعة تعيين مصحح لغوى في سلطة عامة لها تاريخ مهني تليد ضارب الجذور في مجتمع الدولة، ونتجة المُنتج العقلي للتصحيح اللغوي للكلام المهني، إخراج سياق الكلام من مراد معنى ومقصد نوعية تلكم الخدمة، لتفقد دلالة ونكهة طابعها المهني الوظيفي.
وللتخصص النوعي فيما عملت به من وظيفه عامة ضابط شرطة لأربعة عقود من الزمان، وفيما اشتغل فيه الآن من عمل مهني محامي مشتغل في مهنة القانون لعقد من الزمان، اعمل بجهدي مراعياً اخلاقيات مهنة القانون ووسائل الكسب الشريف للعيش الكريم، بحثاً في السودان عن الحياة اللائقة في حدها الأدنى الكفائي. يمكنني القول، أن الخدمة والوظيفة العامة في السودان يشهد تدني وتدهور مريع، وهذا التدهور والتدني مدمر لحيوات مواطن الدولة، ومفكك لبقاء الدولة وتماسك وحدة ركنها الشخصي (الشعب)، ومهدد لسلامة اقليم أرض ترابها الوطني الموروث في حدوده الجيوسياسية.
ديمومة الوضع الحالي للخدمة والوظيفة العامة، يراهن على استجلاب عمالة اجنبيه رخيصة الثمن من دول الجوار الإقليمي الأفريقي والآسيوي، وبذلك، زرع كيانات اجنبية في مؤسسات أجهزة الدولة. واستجلاب العمالة الأجنبية لاعتبارات إتساع الفجوه الكبيرة القائمة بين علاقة السكان مع نوعية الخدمة من حيث النسبة المئوية من عدد المشتغلين في الوظيفة العامة مع عدد السكان. ولعدم الرضاء الوظيفي للمشتغلين في الوظيفة العامة، لضعف الأجر الشهري والحافز المالي التشجيعي المقابل لتأدية الوظيفة العامة. وحتى وقت قريب، تصنيفات ديوان الخدمة العامة، تسلسل افضل الوظائف واعلى الأجور، وظيفة الاستاذ الجامعي، وظيفة قاضي محكمة عليا ورصيفه في وزارة العدل، وظيفة منصب الوزير، وظيفة الطبيب، وظيفة ضباط القوات المسلحة والشرطة.
وعزوف الإقبال على تولي الوظيفة العامة، مرده ضعف الحافز المالي الشهري لشاغل الوظيفة العامة، ودلالة ما اقول به، أي متدرب مبتدئي للاشتغال في مهنة القانون، يعمل في مكتب محاماة، وضعه المادي أفضل بكثير مِن منّ في مثله يعمل في رأس أي مؤسسه يشتغل فيها شاغل لوظيفة مهنة القانون من القضاة واستشاريو القانون. وكذا الحال لمشتغلي الوظائف المهنية في القطاع الخاص، كالمشتغلين في مهنة الطب والمهن الهندسية، وشاغلي مهنة الإقتصاد وادارة المال والأعمال في القطاع الخاص، وكذا الحال لطائفة الوظائف ذات القدرات المهنية والجهد العقلي.
وهنا بوجه خاص، يجب الاشارة لقطاع التعليم العام والجامعي، المهنة الصانعة والمنتجة لعقل الدولة وبناء قدراتها البشرية، إذ بالتعليم تنهض الأمم والشعوب.
ومآلات الوضع الراهن، تفشي حالات أمراض الرشاوي والاتاوات بمسياتها، وانتشار حالات الفساد الاداري والمالي، وضياع حقوق الناس، وصناعة عقول ضعيفة القدرات وعديمة الكفاءات والخبرات والمهارات التراكمية.
ويقابل تقديم نوعية الخدمة العامة المقدمة من مؤسسات أجهزة الدولة، عدم رضاء مٌستقبِلي الخدمة من جمهور الدولة، لرداءة جودة الخدمة المقدمة، المنتج العقلي للمشتغلين في الوظيفة العامة. ولضعف القدرات العقلية، وسوء مهارات الآداء، لتأدية الخدمة العامة لجمهور الدولة. وتواضع الكفاءات المهنية المُنتِجه للخدمة النوعية لكافة وظائف الدولة الخدمية المقدمة لمواطنيها.
ولذلك، حتمية حال ومستقبل الخدمة والوظيفة العامة في السودان، عدم رغبة عقولها المهنية العالية الكفاءات والقدرات والمهارات من شغل الوظيفة العامة، والبديل تعيين نوعية من القدرات الضعيفة والهشة المهارات العقلية، والفاقدة القدرات وعديمة الكفاءات والمهارات النوعية. وخاتمة الوضع الراهن، عدم قدرة الدولة على ترقية الآداء وتجويد تقديم الخدمة العامة لجمهور طالبيها من عموم الناس.
لواء شرطة(حقوقي)
الطيب عبدالجليل حسين(المحامي)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.