متابعات : سودانية نيوز
مواصلة في سلسلة سرد ( تحرير الإذاعة – وتحرير المسيد )
كان شقيقي الأصغر الخليفة ( أيمن عمر الأمين ) يلح علي في الخروج .. ( أحسن نمرق .. ربنا ما أمر بالهلاك )، وكنت أقول له ما يعزيه ويصبره.
وأذكر إنه ذات نهار أرسل الي رسالة على الهاتف فيها بيت المتنبئ الشهير: ( وقفت ومافي الموت شك لواقف .. كأنك في جفن الردى وهو نائم ).
وسبحان الله، بعد هذه الرسالة بلحظات رن هاتفي عل مكالمة من قيادة القيادة العامة للقوات المسلحة، قال لي بكلمات قليلة ومفهومة أن مجموعة من القوات الخاصة ستأتي غداً إلى المسيد وتأخذني مع أسرتي إلى مكان آمن .. وأن إسم العملية هي ( عين الصقر )، وعرفت حينها لماذا كنت في ذلك اليقين، و( ما ضاقت إلا لتُفرج ).
بشرت الخليفة وأسرتي بالخبر، ليس لأنني أغادر المسيد .. فقد عدت إليه بعد خمسة أيام، ولكن لأن الغمة ستنكشف عن سُكان أمدرمان القديمة ليواجهوا التحديات والمصائب التي تعودوا عليها ويستطيعونها .. أن يعود الناس إلى حياتهم الطبيعية، أن يعيشوا في أمان.
في ذات اليوم قمت بتوزيع كميات زائدة من الطعام للناس ونصحت الجميع بعدم التحرك مطلقاً من بيوتهم إلا في حالات الضرورة القصوى.
عند ظهيرة اليوم التالي فرغت من ترتيب أمر المسيد وترتيبات أسرتي للمغادرة، وجلست في الانتظار ..
كان يوماً مختلفاً تماماً عن كل ما سبقه من أيام فأصوات الرصاص والتدوين والمسيرات لم تتوقف لحظة منذ الفجر .. كان شيئاً مرعباً ومتواصلاً.
لم يتوقف الدوي حتى حينما دخلت علينا طليعة القوات الخاصة ..
لكن دخولهم إلى المسيد كان يعني أن حقبة سوداء قد انزاحت عن أمدرمان القديمة.
انزاحت الغمة و( عُقب عادت ليالي سهرنا ).. لتبدأ مرحلة جديدة من التحديات والهموم .. من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
كان مع القوات الخاصة الشاب المصباح أبوزيد طلحة .. كان يحمل جهازاً للتحكم في المُسيرات مبتسماً بشوشاً كما عرفته في الفيديوهات والصور.
كانوا جميعاً لطيفون .. رددوا علي تفاصيل المهمة الخاصة بهم والتي كنت على علم مسبق بها.
في الخارج كانت تنتظرني وأسرتي سيارتان .. الأولى مصفحة من ذلك النوع المسمى ( صرصر ) .. والثانية ( تاتشر ).
كنت وأنا أغادر المسيد لأول مرة منذ قيام الحرب ورغم سعادة اللحظة مسكوناً بتلك الذكريات المُرة وكيف تخطيناها.
في لحظة منها حكايات وقصص لمعاناة ومغالبة لا تنتهي.
سنتوقف هنا ونواصل سردنا غداً ..
سأحكي ماذا دار بيننا وبين سيادة العميد/ أنور الزبير قائد متحرك عزم الرجال، وسأحدثكم عن زيارة السيد والي الخرطوم وسعادة اللواء الظافر ومساهمتهما المُقدرة للمسيد.