بشارة جمعة أرور
يمثل السلام الغاية الأسمى وشرط أساسي للنهضة والتقدام في السودان وإن ظلت عصية حتى الآن رغم كثرة الاجتهادات والمبادرات الداخلية والخارجية الصادقة منها والماكرة لبلوغ تلك الغاية منذ سبعين سنة.
وفي غمرة هذه الاجتهادات والمبادرات وانعدام الرؤية للحل،منبر جدة ما فتئ تائهاً في دهاليز المشاورات العلنية والسرية التي صارت وسيلة لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب…،فالسلام تحققه الإرادة القوية الصادقة وليست المفاوضات والجوالات في حد ذاتها مهما تعددت وإستطال أمدها…، ونحسب أن السلام داخل أي كيان أو دولة هو ببساطة حالة الانسجام بين المكونات الاجتماعية والسياسية، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالرضا العام عن مجمل الأسس والترتيبات التي تقوم عليها الحياة العامة.
ويقابل هذا الفهم الحضاري فهم آخر أساسه فرض الذي يريده المنتصر بغض النظر عن استجابته لحقوق ومصالح الآخر سواء بإستخدام القوة القامعة أو عن طريق الفهلوة والخداع وهذا ما نسميه بمدرسة الإخضاع.
إن الفارق الجوهري بين مدرستي الإقناع والإخضاع، هي أن الأولى تعترف بصدق بحقوق الآخرين حتى في النزاع وتعتبره جزءاً من الذات وترتيباً على ذلك تسلك السبل الكفيلة المؤدية إلى الإقناع من خلال السياسات العادلة التي تكفل توازن المصالح و وحدة التكامل بين عناصر المكونات لكيان الدولة القومية.
وأما مدرسة الإخضاع فمهما نافقت وتدثرت بالشعارات ولبوس الوطنية والدين فإنها لا تعترف في قرارة نفسها بحقوق الآخرين ولا تعتبره جزءاً من الذات الوطنية بل عدواً يجب الاجهاز عليه ما أمكن أو إقصاءه وتهميشه حسب ما تتيح الظروف.
إن الحرب الدائرة حالياً إذا استمرت أكثر من ذلك ستتحول إلى حرب ضد الذات والخاسر فيها الوطن وبالتالي بنوه جميعهم، وهذا بالمعيار المثالي بإفتراض أن أبناء الوطن الواحد يقدرون ذلك، ولكن حتى بالمعيار الواقعي بإعتبار أن الكل ينظر لذاته فحسب فإن النصر الحاسم لن يتحقق لأن معادلة القوة بمفهومها الشامل لا تسمح بذلك في المدى المنظور، ونقصد بالقوة الشاملة،مجموع قدرات الدولة في مختلف المجالات العسكرية والإمكانيات الاقتصادية والظروف السياسية الداخلية والخارجية وكل المؤثرات على المصالح الجيوستراتيجية.
أجل إن الحرب ليست غاية في حد ذاتها ولا مجرد معارك عسكرية منفصلة عن الصراع السياسي،بل هي استمرار للسياسة بطرق أكثر عنفاً وصرامة وهي مثال للسياسة الخشنة في صراع إرادات متعارضة بوسائل العنف،ولكي تتوقف الحرب وتنتهي فلابد من أحد شرطين،إما التصالح على أسس مرضية أو تنكسر الإرادة نتيجةً تفوق حاسم في ميزان القوة إلى الحد الذي يدفع المهزوم لقبول المتاح ولو كان ذلك إستسلاماً لإملاءات وشروط.
ولأن نتيجة المنتصر والمستسلم غير مجدية أصلاً لحل قضية وطنية ذات طابع سياسي واجتماعي بأبعادها التاريخية في سلسلة من جوانب سياق الأحداث المترابطة في الأزمة الوطنية،ولأن معادلة القوة لا تتيح مثل هذه النتيجة حتى لو كان في المدى المنظور فإن التعقل يقتضي توفيق المواقف بإرادة وطنية حقيقية.
ومعلوم أن ميزان القوة أصبحت لصالح الحكومة ولكن يجب أن تستثمر ذلك لتحقيق الحل السياسي للأزمة وهي في منأى من حرج أن يُفسر الأمر كخضوع للضغوط هنا أو هناك بل نعلل ذلك بأن الحكومة من الناحية الأخلاقية تتحمل تجاه الشعب السوداني والوطن مسؤولية أكبر من المعارضين والذين يقاتلون في صفها لكونها صاحبة السلطة والأقوى،وأما من الناحية البرغماتية فإنها لا تستطيع أن تضمن استمرار ميزان القوة لصالحها مهما بدت المؤشرات إيجابية وذلك للتقلبات المحتملة في أي وقت حسب التوترات الدولية والإقليمية.
وتأسيساً على هذا المفهوم وتلك القناعة يجب على العقلاء من القيادات الوطنية العمل لطرح رؤية واضحة بالسبل الكفيلة لإنهاء الحرب وعدم إضاعة الوقت والوقوف مكتوفي الأيدي في مشاهدة مسلسل المناورات والمزايدات غير المثمرة لما يسمى بالمجتمع الدولي كلما حدثت تطورات ميدانية.
وحتى لا يكون الحديث مجرد أماني فإننا نقدم بعض المقترحات التي قدرنا إنها قد تصلح إطاراً عاماً يمكن تطويره كأساس للتوافق، وتتلخص تلك المقترحات في التواضع على مشروع برنامج وطني يحقق به المصالحة الوطنية، والسلام والاستقرار، والعدالة الانتقالية،والعمل على إزالة المرارات من النفوس، والاتفاق على حكومة قومية شاملة كاملة التوافق تنفذ ما تم الاتفاق عليه بجانب القيام بأعمال صناعة الدستور ومن بعد تهيئة الأجواء يترك الأمر للشعب لتحديد خياراته من خلال صناديق الإقتراع “عبر حوار وطني جامع وجاد حول مستقبل البلاد” وبهذا نعشم في استرعاء انتباه القيادات السياسية ولفت أنظار الحكومة لقبول المساهمة كمئات المساهمات التي جادت بها القرائح وكتبتها أقلام أبناء هذا الشعب المخلصين لتحقيق السلام والوفاق.
عقبة كأداء حقيقية ولا بالمهلبية:السؤال الموجه إليكم يا أبناء وبنات السودان؛هل هنالك عقبة كأداء حقيقية تحول دون إنهاء الحرب أم أن القصة برمتها معمولة بالمهلبية وفيها وهم وخداع لاستمرار الحرب لخدمة أجندات متداخلة هنا وهناك ؟!
#التأمل في الأمر ملياً يقود إلى أن المشكلة ليست في تشخيص الداء وإنما في توفر الإرادة لتجرع الدواء.