ذوق حنان.. بنابر ومنابر وتفاصيل الأشياء الصغيرة

محمد أحمد الدويخ
سوق الورَّاقين :
قد يكون الذوق (مِنّة) و (هِبة) ربّانية تسمُو بالفِطرة ويتمثلها المرءُ في أغلب تصرفاته..

فقد درجت (حنان) بائعة الشاي (الأظرف) بشارع الوراقين وباعة الكُتب وسط الخرطوم على إشاعة الفرح والسرور بين المارة بشارع الحرية صباح كل يوم باكر ..

هذه هي السمة الظاهرة لديها والتي (تُحَس) و (تُرى) غير ان هنالك تفاصيل (تتملك) حنان قد لا ينتبه لها الكثيرون ..وهي طريقة (رص البنابر ) و (المقاعد) بطريقة هندسية فائقة أكاد أجزم انها تحس فيها متعة عالية وراحة بال..

دفعتني الاقدار صباح هذا اليوم للجلوس مبكرا على تلك (البنابر) والتي تتحول رويدا رويدا الى (منابر) يؤمها شيوخُ الفكر والشعراء والقصاصون ومدمنو القراءة والتأملات الفكرية بباطن الكُتب وظاهر الارض والشوارع التي تمنحنا كل من الدروس والعبر ما ان تعلمنا منه لأصبحنا حُكماء وأهل دراية ورأي سديد .

لاحظتُ فيما لم يلاحظه آخرون ان الفضلى حنان (تقُج) على افرع شجرة النيم الوارفة الظلال منسوجة من شوالات الخيش لتقيها حرة الظهيرة ولكن قبل ان يحين ذلك التوقيت تضع حنان تلك الشولات في وضع هندسي أشبه بالفراشات وهي تربط اطرافها بخيوط رقيقة دون ان يحس الزبائن بتلك (التكويشة) ..او التحميل أكثر على أفرع الشجرة حتى عند هطول المطر ..كما لاحظتُ فيما لم يرصده آخرون أن الفضلى حنان كانت تراجع معاني بعض المفردات غير العربية مع احد الشباب بطريقة علمية دقيقة وحضور ذهني عال دون ان تعتريها اي شفقة على (شومطة) حُبيبات البن الذي يُقلى على نار هادئة بجوارها وكأنه يحتمل مثلما ظلت تحتمل حنان عضات الدهر وعراقيل الزمن القاسي..
خاصة ان أمثالها كثر تكتظ بهِّن طُرقات المدن والشوارع والأزقة وهن يحملن من التكاليف وأعباء المعيشة ما يشيب له الشُبان و (يُلْجَمُ).

ذوق حنان ..وتفاصيل الاشياء الدقيقة..مشروع عمل ادبي باذخ الفكرة يجب أن يكتمل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.