جزيرة مقرات .. وقف عليها مجدي محمد نور

تعتبر جزيرة مقرات من أكبر جزر السودان إن لم تكن اكبرها قاطبة ويبلغ طولها 37 كيلومترا وعرضها متفاوت ما بين 4 كيلومترات إلى أقل من كيلومتر عند طرفيها وتبدأ من رأس الجزيرة جنوب إلى رأسها الآخر بعد قرية أبو علاليق عند رأسها الشمالي الغربي.
وشكلها على الخريطة يشبه ضلعي مثلث قاعدته تسعة كيلومتر وارتفاعه 28 كيلومترا ولهذا سميت مقرات بلهجة سكانها الأوائل النوبة كما فسرها الفنان الراحل محمد وردي عندما زارها لمدة ثلاثة أيام بمناسبة زواج صديقه الذي سمى إبنه البكر عليه الدكتور حافظ الشاذلي عثمان وتعني الكلمة حسب محمد وردي الكلب الرابض، ولو وقف الإنسان في مقل غرب السوق في موقع مدرسة محمد عطا الثانوية يري هذه الصورة وهي كالكلب الجالس على عقبيه.
وتعتبر جزيرة مقرات من أقدم المناطق الآهلة بالسكان في السودان وكانت مأهولة بالسكان قبل ثلاثين ألف سنة وهذا القول للبروفيسور فالري الأستاذة بالجامعات الألمانية التي رافقت بعثة ألمانية من علماء الآثار أقامت بمقرات في المكيسر والكرمل لمدة عام والأستاذة ليست عالمة آثار ولكنها متخصصة في التطور السكاني وقضت معنا بمنزلنا مدة ثلاثة أيام بتوجيه من زميلي الأستاذ محجوب باشري وأخذت مني معلومات عن مقرات والرباطاب عامة وعن السودان مسجلة تلك المعلومات في فيديو لأكثر من ساعتين صوت وصورة وعرضته في جامعات برلين مع ترجمة بالألمانية بصوتها كما ذكرت لي احدى قريباتي في ألمانيا.
لنعود بعد هذه المقدمة الطويلة لموضوعنا الأساسي التعريف بمقرات
تقع جزيرة مقرات قبل وبعد إنحناءة النيل الكبيرة التي تبدأ من مدينة أبوحمد وتتجه غربا وتقع على خط عرض 18 شمال وعلى خط طول 32 شرق قرينتش وتحيط بها 99 جزيرة منها حوالي 12 جزيرة مأهولة بالسكان مثل كجنقيلي وقعيوة وأرجات وكجي ونوري وبرتكول وفلكول والفلفية وكندي وكدسنات والهببيت أما باقي الجزر تستغل في زراعة المحاصيل والنخيل والأعلاف وأخيرا بأشجار المانجو.
من أقدم سكان مقرات النوبة ويظهر ذلك في أسماء الجزر مثل كجي، كجنقيلي، كدسنات، كندي وفي أسماء القرى كلسيكل، ككي، الكرمل، الفرسيب، كدرمة.
كانت منطقة وحدة أبوحمد الحالية تسمى مقرات بدليل أن الرحالة السويسري الألماني بوركهارت عندما زار السودان عام 1808 في أواخر عهد السلطنة الزرقاء ومر بالمنطقة تحدث عن المك نعيم وقال أنه شيخ عرب مقرات.
نظام الحكم في مقرات عن طريق الإدارة الأهلية عن طريق العمد وتعتبر مقرات عمودية منذ بداية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري وأول عمدها في بداية القرن العشرين هو عمر البشير بطران من أسرة البطارين البديرابية الرباطابية وفي بداية عهده طلب منه قائد حامية أبوحمد الإنجليزية جلب اللبن للحامية من مقرات والضفة الغربية فرفض تنفيذ الطلب فنفاه الإنجليز إلى دارفور وكانت دولة قائمة بذاتها تحت حكم السلطان علي دينار.
تولى بعده العمودية الملك فرح محمد صغير الصالحابي واختلف مع الحكام الإنجليز أيضا ونفي لمنطقة ود حامد وبقي بها حتى وفاته ودفن بمنطقة الحجير شمال مشروع عثمان خضر.
واستدعت الإدارة في عام 1920 العمدة السابق عمر البشير بطران الذي لجأ إلى مصر بعد مقتل السلطان علي دينار عام 1916 وضم دارفور للسودان.
ظل عمر البشير في العمودية حتى العام 1941 عندما أدركته المنية فحل محله إبنه الأكبر علي عمر البشير بطران واستمر في العمودية حتى إلغاء الإدارة الأهلية عام 1970 في عهد الرئيس نميري.
تعتبر عمودية مقرات أكبر عموديات الرباطاب السبع بها 12 شيخ في حين أن العموديات الأخرى يتفاوت عدد مشائخها بين السبعة والثلاثة.
تتوزع شياخات عمودية مقرات كالآتي ست مشايخ داخل مقرات وأربع مشايخ بالضفةالغربية من الغريب إلى الشامخية والمشيختان بالضفة الشرقية في أبوحمد وأبو طين وأكبر الشياخات امتدادا شياخة كديتة وشياخة أبو طين وربما في عدد السكان أيضا.
النشاط الإقتصادي يتركز على زراعة النخيل كان وما زال بالإضافة لزراعة الحبوب سابقا ومنها الذرة والقمح أما الآن فقد تقلصت زراعتها بعد إرتفاع المدخلات الزراعية وضعف العائد منها ولجأ المزارعون إلى بدائل أخرى كالأعلاف البرسيم والقصب وتربية الأغنام.
كما انتشرت مؤخرا زراعة الفاكهة وعلى وجه الخصوص المانجو .
وبمقرات سوق كبير من أكبر الأسواق القروية في المديرية الشمالية الكبرى يرتاده أهلها مرتين في الإسبوع وبه بعض المتاجر تفتح يوميا ذلكم هو سوق مقل الذي أفتتح في العام 1920 وبدأ بثلاثة دكاكين لأصحابها حاج البدوي محمد أحمد ومختار صديق والنافع محمد أحمد والجزار عثمان خليفة (بدين).
بالنسبة للناحية الديمقرافية يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة وكان عددهم في السابق أكثر من العدد الحالي والسبب الهجرة إلى المدن خاصة بعد إنتشار التعليم بإفتتاح مدرسة مقرات الأولية عام 1918 بالسنجراب .
غالبية سكان مقرات من الرباطاب كما تسكن بها أعداد أخرى من العبابسة والعبابدة والشايقية والمناصير وغيرهم.
انتشر التعليم في مقرات مبكرا وبها الآن إحدى عشرة مدرسة أساسية ومدرستان ثانويتان للبنين والبنات.
قدمت مقرات الأفذاذ من الرجال للسودان كالدكتور مكي الطيب شبيكة أول سوداني ينال درجة الدكتوراة من جامعة لندن عام 1949 كما نال درجة الأستاذية عام 1955 وهو أول سوداني يتولى عمادة كلية بكلية الخرطوم الجامعية(جامعة الخرطوم الآن) في العام 1955 حيث تولى عمادة كلية الآداب.
وفي خمسينيات القرن الماضي قدمت أيضا البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله والبروفيسور حافظ الشاذلي عثمان البروفيسور محمد سعيد الخليفة والبروفيسور محمد الشاذلي عثمان والخبير الدولي في الإدارة بالأمم المتحدة الأستاذ عبد الرحمن عبد الله وقدمت العشرات من المعلمين في كل المراحل منذ حقبة الأربعينات وقام أبناء مقرات بتشييد كل المرافق التعليمية والصحية بالعون الذاتي حتى المدرستين الثانويتين بمقل والمستشفى الوحيد بالسنجراب وليس بها مرفق خدمي حكومي فمتى تمتد إليها يد التنمية يا حكامنا..
محمد عثمان خطيب.
تم نشر هذا المقال في عهد الانقاذ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.