د. مريم رضوان تكتب مقاربات /  بربر سكن الدواخل

لمكان ما في حياتنا حضور دائم ينضج به الحنين على مر السنين، تداعي المشاعر والأرتباط بالجذور، ورصد التحولات بعدسة ذاكرة ملتاعه لا تشيخ بمرور الوقت عليها. مثل مواقد الجمر تذيدها توهجا وتوثيقا،وعشق ذاكرة يجدد ذلك المكان هي بربر. صوتها كان يناديني دوما و يأجج مضاجعي، حتي هواءها يجعل نفسه جزءا مني، وحب ﻳﻤﻸ ﺍلنفس ﺑﻬﺠﺔ ﻭأملا. تراب بربر وباطنها ومن دفن سكنهم تحت جلدي، ﻛﻠﻤﺎ ﺃﻭﻏﻠﺖ ﻳﻐﺪﻭ ﺍﻟﺸﻐﻒ ﺑﻬﺎ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ، إلى ماض عتيد مليء بذكريات. ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ في الحياة، ولاء ،دما ﻧﺤﺘﺎ، ﻋﻤﻘﺎ، ﻭﺣﺒﺎ. ذلك ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ يحمل ملامح أشياء كثيرة، ﻟﺴﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﻣﻮقعها ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺴﺪ لبربر، بدأ ببيت جدي عمر باشري عشق الميلاد والمكان والزمان، والتنشئة والطفولة والدراسة والمدرسة، والأهل والجيران والصديقات .والشوق لأعزاء شكلوا معالم حياتي حملت اسمهم عنوانا، ﺭحمهم الله اعطوني حبا لبربر يفوق كل المدن التي اقمت بها .وأناس واماكن لعبوا دورا، في المساهمة في تشكيل الوعي والوجدان، ولاسيما حينما تبحر بي الذاكره بعيدا، وتعانق بيوت وحيشان ازقة كانت بها أجمل الحكايات . دهليز اهل امي الأتراك ،وحوش السنوسي وحنين ومقام البيتي ود حماد وحوش المضوياب، وحوش مدثر الحجاز .والجيران آل ابوالقاسم ، طنطاوي ، جوهر ،حميدة ،عثمان حسين .
غاب أناس وحضر آخرون، تغيرت الوجوه وتغيرت الملامح، وتغير الزمان وتغير المكان ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮتي، التفاصيل ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻣﺸﻬﺪ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﻟﺬي ﻗﻀﻴﺖ ﻓﻴﻪ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﻃﻔﻮلتي ﻓﻰ بربر تجوالي وترحالي لم تتغير الأمكنة.
ﻣﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻮﻳﻬﺎ بربر بمعالم بارزة، استحضرتني الذاكرة بالتجهيزات للعيد وشراء الأقمشة من دكان محمود وزكريا يوسف،ودكان ولع وتوفيق مدني وحلاوة العيد من عبد المنعم وأحمد بشير الحريبابي، والخياطة، آل بو قصيصة،، وخبيز أهلي، وذبح الخروف، آل الفاضل. ﺑﻬﺠﺔ العيد ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺗﺜﺮﻱ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ وﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺒﺮﻧﺎ غرس نتمسك به وﺗﺮﻛﻪ نتوراثها ، وﻋﺎﺩﺍﺕ ﻭﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻳﻐﻠﻔﻬﺎ ﺣﺐ أهل بربر ﻭإﻟﻔﺘﻬﻢ ﻭﻧﻘﺎﺋﻬﻢ، ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺁﺑﺎﺋﻨﺎ ﻭﺃﺟﺪﺍﺩﻧﺎ، ﻭﺭﻭﻋﺘﻬﺎ لم تتغير معالم بربر ﻛﻤﺎ ﻋﻬﺪﻧﺎﻫﺎ في ﻃﻔﻮﻟﺘﻨﺎ. ممتلئة ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺑﺎﻟﻠﺤﻈﺎﺕ العديدة، ما زال ﺃهل بربر يتصفون بكرمهم الفياض وأصالتهم العريقة الباقية دون تغيير، ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ كما هو في بشاشة أهلها ونكهة الطعام الخاص الذي تتميز به بربر، إلاﺭﺗﺒﺎﻁ الأسرى لكل أهل بربر كما هو لم يتبدل أو يتغير، لم تنقلب ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻭﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، رغم ظروف الحياة وتشبكاتها وتشعبات ظروفها، لم تتغير القلوب.
الصبر والبساطة والمحبة في محياهم، قساوة ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ غيرت ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﻢ ﻭﺃﻟﻮﺍﻧﻬم، لكن أهل بربر شرفاء. صامدون، أقوياء، كرماء، بسطاء، اعفاء كما هم بسمتهم لا تفارق محياهم.
تغيرت أجيال جديدة لكن حملت لواء القدماء وتشبثت بقيمهم وأخلاقهم، ﺗﻐير سكان البيوت ولم تتغير البيوت، ورغم ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﻬﺎ بربر. ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺑﺎﻗﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ لم تطمس ملامح بربر، ورغم إلانقلاب الذي حدث في ﻧﻈﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ احتلت ﺃﺟﺰﺍﺀ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﻭﻭﺟﺪﺍﻧﻨﺎ ﻭﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻨﺎ ﻭﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ، ﺍﻧﻘﻼﺑﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ لم تنهار بربر.
ﻣﺎ ﺯﻟﻨﺎ ﻧﺘﺸﺒﺚ بقيم ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻧﺸﺄﻧﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ، رغم فرحي بعيدي في بربر كنت مهمومة، خدمات متردية، مقومات غير مقننة أو مستفاد منها، وموارد مهدرة وعقارب وأفاعي قاتلة أثارت الهلع والخوف.
ومصانع آثارها مسرطنة ومهددات بييئة،ومناطق الدهب اصبحت سكك للموت والجشع والضياع .. ﻣﻼﻣﺢ بربر الأبية كما هي، فقط تغيرت المحلات وامتلأت بالقادمين ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻯ المجاورة، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻼﺫﻫﻢ ﻭﻟﻘﻤﺔ ﻋﻴﺸﻬﻢ. رغم إفراز الوضع المتردي، جاءها وافدون يختلفون عنا في حب بربر وولاءهم لها ﻭﻏﻴﺮتهم عليها.
لعن الله الضيق والعوز، وحفظ الله بربر من الألم والشقاء والمرض.
لا ينتهي التعصب لبربر الذي يسكن الدواخل ليتنا نعيد تلك الأيام حتي نستعيد ﻧﻘﺎﺀ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻭﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻗﺪﺭ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ، ﻓﻲ ﺯﻣﻦ الماديات قبحها الله أبعدت النفوس ونفرتها وميزت آخرين وﺻﺒﻐﺖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ بلون يختلف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.