محمد عبد الماجد يكتب.. مع حسين خوجلي في مُعتقله..!!

(1)

تردّدت كثيراً في الكتابة عن الأستاذ حسين خوجلي، وعادةً فإنّ المواضيع التي تخشى الكتابة فيها هي التي يجب أن تكتب عنها، الكاتب الذي يتحاشى الكتابة عن المواضيع التي يُمكن أن تُسبِّب له حرجاً غير جدير بأنّ يضع (صورته) مع ترويسة زاويته.

أدرك جيداً أنّ الكتابة عن الأستاذ حسين خوجلي في هذا التوقيت غير مُحبّبة، وقد تفتح عليك (تصنيفات) وتضعنا في خانة (الدولة العميقة)، خَاصّةً أن هناك تياراً متشدداً ظهر في الفترة الأخيرة يضمر العداء لحسين خوجلي بسبب موقفه من الثورة وبسبب كتاباته وتصريحاته السابقة في فترة الحِراك الثوري وقبل سقوط النظام.
مع ذلك، فإنّ كتابتي عن حسين خوجلي اليوم – تبقى شهادة في حقه، وأظن أنّ هذا التوقيت هو الأفضل لأن نشهد له بذلك، فهو في حاجة إلى أن ننصفه, في وقتٍ تُطلق عليه السِّهام حتى من أقرب الناس إليه.
اعترف إنّي تأخّرت في الكتابة عن حسين خوجلي احتراماً لرأي الشارع وللثورة التي انتقص حسين خوجلي من قدرها.
لكن ها أنا أأتى الآن وأتحدّث عن حسين خوجلي، ونشهد له بفضله (الثقافي) على مستوى الصحافة الورقية والتلفزيونية والإذاعية، وقد وضع حسين خوجلي في كل هذه الضروب الإعلامية بصمةً لا ينكرها حتى الذي في طرفه رمدٌ أو (خرسانة) مرة واحدة!!
نحن جيلٌ كانت تمثل عندنا سهرة (أيام لها إيقاع) نفاجاً على الروح، ندخل منه على عوالم كانت عَصِيّة علينا، إذ كانت الثقافة والأدب والفنون حينها لا تصرف روشتاتها إلّا من صيدليات، كانت تعز علينا وتصعب.
حسين خوجلي كان إحدى صيدلياتنا الثقافية التي نكتنز منها المعلومة والأدب الرفيع.
ونحن طلاب في المرحلة الثانوية، كنا ننتظر يوم الاثنين زرافات ووحداناً، ليُحدِّثنا حسين خوجلي عن صلاح أحمد إبراهيم وعلي المك، وليغني لنا نجم الدين الفاضل ومجذوب أونسة – وقتها كانت المنابر الإعلامية مَفتوحةً فقط لمحمد وردي وعثمان حسين وإبراهيم عوض، وكان أمثال نجم الدين الفاضل نقتفى أثرهم في أيام لها إيقاع.
(2)

نختلف مع حسين خوجلي (سياسياً) ونفعل ذلك باحترامٍ، لكن (ثقافياً) لا خِلاف حول حسين خوجلي فهو (مكتبة ثقافية) مُتكاملة، عرفنا من خلالها أدب (البريد والبرق)، ورأينا فيها حُزن (الأرصفة والقوافي) وحكايات الأماسي وحُلو الأمنيات.
لا تَهِمّني الآراء المُتطرِّفة عن حسين خوجلي، ولا تمنعني في أن أقول إنّ حسين خوجلي يمثل واجهةً ثقافيةً، ربما كانت هي الأبرز في حقبة حكم الإسلاميين.
قدّم حسين خوجلي، خدمةً إعلاميةً كبيرةً، تمثلت في روافد مُختلفة، أعتقد أنّ الدولة نفسها فشلت في أن تُقدِّمها.
صحيفة “ألوان” تبقى مدرسةً صحفيةً، خرّجت الكثير من الكوادر حتى لو اختلفنا حول سياستها التحريرية.. خريجو صحيفة “ألوان” يغطون الآن الساحة الإعلامية.
كذلك تبقى إذاعة المساء – إذاعة ذات خُصُوصية جميلة – تبقى دائماً مَعنية بالحنين والتّفاصيل السودانية الدقيقة التي لا نعرف نحن أن نعبر عنها إعلامياً.
قدم حسين خوجلي أيضاً قناة، وهي فضائية أم درمان والتي ظلّت صامدة، رغم أن فضائيات الدولة نفسها أُغلقت.
هذا الإنتاج الإعلامي والرصيد الثقافي حَفِيٌّ بالاحتفاء والتقدير – بعيداً عن الأيديولوجيا السياسية التي انطلق منها حسين.
حسين خوجلي وثّق للحياة الثقافية في السودان، وتحرّك بمجهوداته الشخصية في ذلك – وتجبرنا الأمانة هُنا على أن نقول إنّ حسين خوجلي ثقافياً لم يمنح مُيُوله السياسي حق السيطرة على اتّجاهاته الثقافية، وإن حسبت عليه تجاربه الصحفية في بداياته الإعلامية.
لكن مع كل هذه الافتراضات والنتائج يبقى المُتلقي السوداني قادراً على الفصل بين العمل المهني وغير المهني، والعمل الذي يخدم تياراً سياسياً محدداً والعمل الذي يخدم السودان.
(3)

أتابع من على البُعد، الحالة الصحية لحسين خوجلي والذي اعتقلته السُّلطات في الفترة الأخيرة، وأتابع أخبار تنقله من مستشفى لآخر، وأدرك أن حالة الأستاذ حسين خوجلي لا تحتمل كل هذا العناء والاعتقالات، واسأل أن تتم مُعاملته بصورة لائقة وإنسانية بعيداً عن التشفي أو النَّيل من قامة إعلامية كبيرة يبقى قدرها كبيراً بغض النظر عن الآراء السلبية من البعض فيه.
يجب أن تتم مُراعاة حالة حسين خوجلي الصحية، وأن تتوفّر له كل احتياجاته وهو يمر بوعكة وحالة صحية تستوجب أن تكون مُعاملته برفقٍ.
(4)

في أيام الحِراك الثوري وقبل سقوط النظام، وعقب تصريحات حسين خوجلي التي قلّل فيها من الثُّوّار وحدّد نسبتهم بأنها لا تتجاوز الـ2%، كثيرون كانوا ينتظرون مني أن أرد على الأستاذ حسين خوجلي، وأن أوجِّه له الإساءة، عندما كان الحماس الثوري في أوجِهِ.
أذكر إنّي قلت لهم، إنّ المعيار (الأخلاقي) يسبق عندي المعيار (المهني)، وإنّي لا أستطيع أن أتطاول على، حسين خوجلي وهو أستاذنا في مجال الإعلام – لا نتجاوز الحدود مهما كانت الدوافع والاستفزازات التي تجبرك على ذلك.
الآن أقول: يجب أن يجد حسين خوجلي معاملة كريمة – لا نريد أن ننتج أساليب النظام البائد في تعاملاته واعتقالاته مع خُصُومه.
نحن الآن لا نعيش حياة أفضل – لكننا نعيش حياة (كريمة)، وكرامة الإنسان يجب أن تُحترم وتُقدّر.
(5)

بغم/
الانتقاد بأدب أحياناً يبقى (قِلّة أدب).