هل نعيش حقيقةً ما يمكن أن نسميه عهداً جديداً ، نتمتّع فيه بالحرية والتغيير ؟ لا أجيب .. ولكن إسأل نفسك ومن حولك ، هم سيجيبون على السؤال ، ونحن نعيش حياتنا في ضيق ما بعده ضيق ، لولا فرج الله ونعمه علينا مع غياب تام لأي وجود حكومي يؤكد على سعي الحاكمين لرفع الأعباء الثقيلة من كاهل المواطن المسكين .
يقول لك أصحاب( الحلاقيم ) الكبيرة : إنه ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان ، وهو يستغلّون مقولة السيّد المسيح عليه السلام شماعة لفشلهم في إدارة الدولة ومرافقها الخدمية والإقتصادية والإجتماعية ، ونسوا أو تناسوا إن قاعدة الإستقرار في هذه الدنيا هي الإطعام من جوع والأمن من الخوف .
كل هذا تراجع وأصبح مكلفاً لدرجة أن أحد أرباب الأسر أقدم على الإنتحار وهو يعول أسرة مكونة من تسعة أفراد .
أما الأمن فحدث ولا حرج ، ولم يكن هذا إجتهاداً من جانبنا ، بل كان حديثاً صريحاً لأحد من بيدهم مقاليد الأمور في بلادنا ، وسبق أن أعلن السيد الفريق أول محمد حمدان دقلو ” حميدتي ” ذلك من قبل ، وقال على رأس الأشهاد أنّهم لن يسمحوا بالفوضى ، وإن الديمقراطية لا تعني الفوضى ، بل هي الشورى والتحضر والتفاهم ، خاصة وإن بلادنا الآن تعاني من إنهيار أمني وسياسي وإجتماعي وإقتصادي .
الآن مع كل ذلك يريدون التضييق على المواطن في الحريات ، بإنشاء جهاز أمن داخلي جديد يتبع للشرطة ، ويخضع لأمزجة وأفكار الحاكمين لحماية حكمهم والتغطية على فشلهم بإرهاب الخصوم ، مع رغبة كبيرة لدى البعض في ألّا تجري أي إنتخابات لأنهم لا يثقون في ثقلهم الحقيقي ولا في قواعدهم ، وهي قليلة العدد صوتها عالٍ من خلال الإعلام الحكومي وأجهزة البث المرئي والمسموع المملوكة للشعب السوداني ، وقد انصرف عنها الآن ، فأصبحت تُحدّث نفسها .
من المضحكات المبكيات إن قوى الحرية والتغيير رأت ثم قرّرت إنشاء وتكوين جهاز أمن جديد ، يتولّى شؤون الأمن الداخلي ، ويتبع لوزارة الداخلية ، في إطار ما يسمونه هيكلة المنظومة الأمنية وملاحقة العناصر الإرهابية ، وإتخاذ إجراءات إستباقية لملاحقتها ، وكان ذلك على خلفية الزعم بمحاولة إغتيال رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الدكتور عبدالله حمدوك ، على أن تكون من ضمن مهام الجهاز الجديد ، رصد ومتابعة الأفراد المنتمين للمنظمات الإرهابية والمحظورة ، أو ( ذات الأهداف المعادية للثورة ) .
الأمن الداخلي كان ولا زال يتبع لجهاز المخابرات ، وهذا هو الطبيعي كما هو معمول به في كثير من الدول .
تبعية جهاز أمن داخلي جديد للشرطة يذكرنا بما قام به المستعمر البريطاني في العام 1898 م عندما أنشأ قسماً بإسم « البوليس السرّي » بوزارة الداخلية يتبع للحاكم العام مباشرةً ، كانت مهمته الرسمية هي جمع المعلومات عن قادة دولة المهدية التي قضى عليها الإنجليز في معركة كرري ، ولم يقضوا على عقيدة الناس بها آنذاك ، ثم جمع المعلومات لاحقاً عن قادة الحركة الوطنية وثوار 1924 م ، ثم قادة الأحزاب والعمل السّياسي ورؤساء الصحف والصحفيين وأي أنشطة هدامة أخرى وهي تقابل الإرهاب اليوم .
ظل هذا القسم يعمل حتى بعد الإستقلال لوزارة الداخلية ، ، وقد كان نواة أول جهاز أمن سوداني إلى تم حله عقب ثورة أكتوبر 1964 م وقد كان قصر نظر البعض هو السبب في أن يقف تطور العمل الأمني الإستخباراتي والمعلوماتي عند ذلك الحد ، إلى أن جاء الحكم المايوي في العام 1969 م بقيادة الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، مدعوماً بداية عهده بالحزب الشيوعي وقوى اليسار ، وأُوكِل للرائد فاروق عثمان حمدالله إنشاء جهاز أمن الدولة ، أواخر ذات عام الانقلاب ، فكان أخطر أجهزة الأمن التي عرفها السُّودانيّون ، وقد جلست للراحل عبدالوهاب إبراهيم أحد ضباط ذلك الجهاز ومديره لاحقاً وعرفت منه الكثير .
في العام 1978 م تم دمج أقسام جهاز الأمن وأضيف لمهامه مكافحة التجسس والمخاطر الأجنبية ، ليصبح جهاز مخابرات حقيقي ووقف على ذلك العمل الرائد مأمون عوض أبوزيد الذي عمل على تطويره بإنتداب عدد من ضباط الإستخبارات في الجيش السُّوداني ورفع من كفاءة العاملين فيه بالتدريب والبعثات الخارجية ، وتعيين الجامعيين من مختلف التخصصات .
جهاز الأمن السوداني أصبح من أقوى أجهزة المخابرات في المنطقة والإقليم خاصة في فترة الحكم المايوي لكن الإنتفاضة ضد نظام حكم الرئيس الراحل نميري جاءت وعلى من أرادوا تبنيها بذات المفاهيم العرجاء والناقصة ، فتم حل ذلك الجهاز ، وقد سبق ان كتبنا عن ذلك الخطأ الكبير كثيراً حتى لا يتكرر ، لكن أدعياء السّياسةِ لا يتعلمون .
نطالب قوى الوعي والإستنارة وقوى الإدراك الوطني بألا ينقادوا للمهرّجين الذين لا يعرفون مخاطر ما سوف يقدمون عليه .
بالله عليكم إبقوا على مؤسسات الدولة وأجهزتها ، حتى لا نصبح على ما فعلنا نادمين .
التعليقات مغلقة.