الشاعر عبدالعال السيد : أبحث عن ملاذات لمشاعري في زمن المشاعر المعلبة

الغربة سيناريو وطقس أدمنته…..وترباس نجم كل المواسم
أبحث عن ملاذات لمشاعري في زمن” المشاعر المعلبة….وهذا المقطع يعذبني ويزلزلني

ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﻞ .. ﻏﺮﺑﺔ ﻭﻣﻄﺮ
ﻭﻃﺮﺏ ﺣﺰﻳﻦ
ﻭﺟـّﻊ ﺗﻘﺎﺳﻴﻢ ﺍﻟﻮﺗﺮ
ﺷﺮﺏ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﺮﺡ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ
ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻰ ﻫﺪﺍﻫﻮ ﺍﻟﺴﻬﺮ
وغيرها من درر الغناء لشاعر يسكب الروعة والدهشة في كلمات قصائده الشامخات المنطلقة في التعبير بعفوية تمنحنا تفاؤلا وافراحا بلا حدود…..صاغ تشاكيل الحروف ونثرها بطريقة انطقت الصمت والسفر عبر الخيال بشفافية عالية وحس ابداعي متدفق ….شكل مع الفنان كمال ترباس ثنائية كصحبة الورد للفراش…هاجر خارج السودان وظل حنينه وعشقه للعودة من خلال اشعاره الانيقة التي تحويها بوتقة من الروعة والجمال …..
التقينا الشاعر المبدع عبدالعال السيد وتجولنا معه في العديد من المحطات.

حوار:مواهب حسن أحمد

يكتب الشعراء أجمل واروع الكلمات في الغربة ماسر ذلك؟
يبدو أن الغربة تشكل “فسيفساء ” الإنسان ولها وقع على الشخص يصعب تجاوزه أو إختزاله ببضعة كلمات لأن طبيعة الغربة بما تحمله من معنى تحتم ذلك وتكون الغربة أقسى إيقاعا على الذين يتعاطون الشعر أو أي نوع من أنماط الفكر والثقافة لأنها دلالة على التباعد التي تربط بين المكان والانتقال أو تنحي الفرد عنه وهي بشقِّها الآخر تعني هروب الفردِ حتى عن الناس في مكانِ المنشأ أو الإقامة، وهذا هو ما يجعل وقعها بمثابةِ الانفجار الذي يثيرُ العواطفِ الإنسانية، ويشعلها حَزَنًا وشتاتًا.
وبالنسبة لي فإن الغربة بمثابة سيناريو وطقس أدمنته وأدمنني وكتبت فيها أجمل نصوصي التي تلامس الذائقة الفنية ، منها أغنية مصطفى سيد أحمد ” غربه ومطر ” التي كتبت بين ثلاثة مدن، إذ بدأت الأبجدية الأولى لنص غربة ومطر في الخرطوم و نضجت مقاطع منها في باريس وأخيرا إستوى النص في الدوحة ، ورقم إن النص به مقطع ” الغربه مرّه ومؤلمة ” لكنني بعد إدمان الغربه أخذت أردد في سياق حراكي اليومي ” الغربه حلوة وملهمة ”
الا توافقني انك ظلمت نفسك فنيا بابتعادك عن ارض الوطن؟
صدقوني لم أظلم نفسي حينما اغتربت فالغربة أرجوحة وبذرة تسرى في جيناتي فأنا من منطقة عرف اهلها الأغتراب منذ ثلاثينيات القرن الماضي ، فقد فتحت “عيوني ” ووجدت عدد كبير من أعمامي وخيلاني مغتربين في مصر ومنه انتشروا في بلدان الخليج وغيرها من البلدان ولوعادت عقارب الساعة إلى الوراء لأغتربت أيضا ، كما أن 90 % من نصوصي المغناه كتبتها في الغربة ووصلت إلى الذائقة والوعي الجمعي من بلدان غربتي واذكر منها ” ابوي ان شاء الله لي تسلم ” ” حبان قسايا نسو ” ” يقولو مشغوله ” ” انت المهم ” “دقيت ليهو ما ردا ” ” افتقدتك ” ” خطبتها ” وعشرات من الاغاني الشهيرة ولا انسى هنا أن التيجاني حاج موسى صديق العمر وزميل الدراسة في الجامعة كان له دور كبير في ايصال بعض من نصوصي الى المطربين .
يؤخذ عليك عدم تقديمك لنفسك كشاعر والساحة تضج بالمتشاعرين؟
دوما أردد إن الشعر لم يمنحني شيء حتى تاريخه رغم ان لدي نحو 40 أغنية نسبة 99 % في المئة منها ناجحة بنسبة مئة في المئة اعتبر نفسي صحفي قبل أن اكون شاعرا واتصور أن النص الغنائي في الراهن أصبح مثل قبض الريح وتغيرت المفردات والأفكار تبعا للتغيرات التي طرأت في المجتمع ، وهذا التغيير ليس في السودان فحسب وإنما في الوطن العربي من الأزرق إلى الازرق .
الحبيبة والوطن يمثلوا 90% من اشعارك؟
تتعدد أساليب التعبير أو البوح بالنسبة لي بعشق الوطن تبعاً وبالنسبة لي فإن الحبية هي الوطن الوطن بكافة تضاريسه هو الحبية و” أبونا ” النيل يعبر ناعما ومسترخيا في الكثير من نصوصي، وليس بالضرورة أن يكون النص يتضمن لغة هاتفية ومباشرة عن الوطن خصوصا وإن الذائقة تفضل النصوص التي تتحدث عن الوطن وتمزج الحروف بلغة الصحراء والنيل والحنين .
دقيت ليهو ما رد تصنف من الغناء الهابط ؟
أتحدى أي إنسان يقول أن ” دقيت ليهو ما ردا ” من نصوص الغناء غير المسايرة للمألوف وأقول بـ” الفم المليان ” أن هذا النص ناصع البياض وليس به ما يخدش كما أنها أغنية مليونية نجحت بنسبة 100 % ، فضلا عن انه نص مواكب للراهن وحراك الواقع وافتخر جدا به وقد قدمه الفنان طه سليمان إلى الذائقة الفنية بكل جدارة وإبداع .
محمود عبدالعزيز ومصطفى سيداحمد يجمع بينهما الكثير وتغنوا بكلماتك ماذا انت قائل عنهما؟
مصطفى سيد أحمد يعد سيد الغناء السوداني بلا منازع وأغنياته بمثابة ايقونة تتجدد في الوعي الجمعي لمحبيه وعشاق فنه فقد تجد شباب لم يحضورا فترة توهج مصطفى سيد احمد رحمه الله ولكنهم يدمنون على سماع إبداعاته ، وبالنسبة لمحمود عبد العزيز ـ رحمه الله ــ فقد كان نجما ساطعا وما زالت اغنياته تعيش في الوعي لدى محبي فنه
اعمال رائعة جمعتك بالفنان كمال ترباس هل نطلق عليها ثنائية؟
كمال ترباس فنان كبير يمتلك كاريزما تجعله نجم كل المواسم وقد تعاونت معه في خمس نصوص أربعة منها ناجحة بنسبة 100 % والنص الخامس بعنوان ” بحبك جد ” واتمنى ان يتسلق اعصاب الذائقة وينجح كما نجحت بقية الاغنيات ، وعلى فكرة كما ترباس تغنى بنصوصي قبل ان نلتقي فقد اغتربت منذ سنوات طويلة وسوف اظل وفيا لغربتي ” المزمنة ”
هل الكتابة الصحفية تغولت على الشعر ؟
لا اتصور أن الكتابة الصحفية الراتبة تغولت على مجريات الشعر بالنسبة لي فإنا حتى في حالات المخاض الصحفي تجدني اجلس على أرجوحة الشعر ، كما أن الصحافة ” بنت عم ” الشعر وهي قريبة منه وان كنت قد توقفت عن كتابة عمودي الراتب ” صرخه ” منذ العام 2018 في ايام الثورة .
انت المهم تحتل كل المساحات داخلك ماذا عنها؟
انت المهم اغنية نجحت بكل المقايس ومنحها الفنان كمال ترباس ألقا وإبداعا مختلف ، كتب هذا النص على عدة مراحل كان في البداية استهلال ومقطع وارسلته إلى الملحن يوسف القديل و” جلس ” النص لديه أكثر من ثماني أشهر واذكر أن صديقي الفنان محمود تاور قال لي أن هذا النص طالت مدته لدي القديل قلت له دعه ربما يأتي دوره ، وفي احد السنوات اتصل بي ترباس من دبي وطلب مني بعض النصوص واذكر ارسلت له نحو اربع نصوص بالفاكس من مقر صحيفة ” عكاظ” وبعد يومين أتصل ترباس وقال انه صنع ” ميلودي ” للنص ولكن يريد استكماله وهنا جمعت بقايا ما لدي من مخزون في الذاكرة وارسلت له مقطين آخرين من النص والذي فعلا يحتل مساحة في وداني فقد كتب عن ” إمرأة ” بملوين راجل .
كبار الشعراء جرفهم تيار الهبوط الشعري؟
إنه منطق الزمن فالنص الغنائي في الراهن أصبح خفيفا يساير منطق ” الجمهور عايز كدا ” ولا ألوم الشعراء في كتابة نصوص من حراك الواقع وبالنسبة لي لا اسميه ” هبوط ” وانما مسايرة لمتغيرات الزمن .
عز المزار والدنيا ليل وغربة ومطر وانت المهم هل تعدها علامة فارقة في مسيرتك الفنية؟
واضيف إلى هذا ” الثالوث ” افتقدتك والتي اعتبرها بدون نرجسية واحدة من ايقونات الغناء في السودان .
عبدالعال يهندس الاوجاع وينقب فجوات الخوف؟
نعم تطاردني باستمرار عربة الوجع والخوف أبحث عن ملاذات لمشاعري في زمن” المشاعر المعلبة ” ورغم إن الانسان في الراهن يبحث عن ” كعكة ” الفرح ولكن النص الحزين يصبح لقمة للمشاعر في هذا الزمن الرمادي بكل المقاييس .
ماذا يحوي دفتر اشعارك؟
نصوص كثيرة اتمنى ان تلامس الذائقة باصوات الكثير من الفنانين.
ماذا عن مجموعاتك القصصية؟
مازالت تنام مسترخية في اوارقي الخاصة رغم أنها نشرت في الملاحق الادبية بالصحف السعودية
افتقدتك احدثت انقلاب في الاغنية السودانية ماذا وراءها؟
افتقدتك تشكل خصوصية بالنسبة لنصوصي الشعرية فقد كتبتها في الدوحة حينما كان العمر بلون البنفسج واذكر إنني ارسلتها في رسالة يتيمة إلى الصديق التيجاني حاج موسى ، وبعد خمس سنوات من انشارها في السودان سمعت بالاغنية وكنت حينها لم اتواصل مع الفنان الهادي حامد والذي يعدد مجدا للاغنية السودانية وصاحب مدرسة خاصة تأثر بها الكثير من الفنانين الشباب .
قراءتك للمشهد الغنائي؟
الضبابية هي سيدة الموقف ومنذ زمن طويل لم تلامس الذائقة اغنية رصينة وأذكر ان أخر اغنية سجلت حضورا في الوعي الجمعي كانت اغنية ” الحب هدا ” للمبدعة هدى عربي ومن كلمات صديقنا الشاعر محمود الجيلي .
مانحن بينا الامنيات والاضحية بينا المعزات والعزابات في الحياة حزن وشجن ولوعة؟
هذا المقطع كان وما زال يعزبني ويزلزلني من القاع إلى القاع رغم أن الكثير من الأمنيات هربت من ” نفاج ” العمر وبعضها أصبح مثل قبض الريح كما أن سيد الغناء السوداني مصطفى سيد احمد ــ رحمه الله ــ في بعض التسجيلات يشهق حتى حدود البكاء وطبقات صوته تسافر عبر تضاريس هذه الكلمات .

التعليقات مغلقة.