اليوم التالي .. د. مزمل ابو القاسم
* من يظن أن سعر جالون الوقود سيبقى عند حدود (500) جنيه واهم، لأن تسعير النفط سيتحكم فيه عاملان، كلاهما خارج نطاق سيطرة الحكومة، وأولهما السعر العالمي للبترول، والثاني سعر صرف الدولار في مواجهة الجنيه.
* بمجرد تطبيق قرار تحرير سعر الوقود، أو فلنقل رفع الدعم عنه سيتحرك سعر الدولار إلى الأعلى، وقد يتجاوز ثلاثمائة جنيه في أيامٍ معدودات، بعد أن شرعنت الحكومة للشركات المستوردة شراء الدولار بسعر السوق الموازية ضمنياً (باحتسابها لسعر اللتر به)، وبالتالي سيتواصل ارتفاع سعر الوقود، وقد تصبح الزيادة يومية!
* بما أن أسعار كل السلع تتأثر سلباً بقيمة الترحيل، وبما أن قيمة الترحيل سترتفع أكثر كلما ارتفع سعر الوقود، فذلك يعني ببساطة أن معدل الغلاء سيزداد باطّراد، بل قد يرتفع عدة مرات في اليوم تبعاً لأي صعود لأسعار الدولار!
* قارب معدل التضخم (200 %) حالياً بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة من الحكومة نفسها، وهناك خبراء يقدرونه ب(242 %)، ورفع الدعم عن الوقود سيرفع تلك النسبة بسرعة، لتتخطى (300 %) مع نهاية الشهر الحالي.
* قد ينهي قرار رفع الدعم صفوف الوقود، لا لأنه سيتوافر لطالبيه في محطات الخدمة، بل لأن معظم الراغبين فيه سيعجزون عن شرائه، وسيدفعون ثمنه غالياً في المواصلات العامة، التي ستضاعف تعرفتها عدة مرات في اللحظة التي يسري فيها قرار تحرير الوقود، وسيتوالى الارتفاع تبعاً للارتفاع المتوقع في سعر الوقود.
* من المتوقع أن يصل سعر جالون البنزين المُحرر حدود (500) جنيه، ويبلغ سعر جالون الجازولين (450) جنيهاً، والسبب فشل الحكومة في وقف انهيار العملة الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية.
* كان الدولار في حدود (80) جنيهاً عندما أبرمت الحكومة (ممثلة في وزارة المالية) اتفاقاً أرعن في شهر ديسمبر الماضي، قضى بمنح شركة خاصة ميزة تصدير الذهب من دون إلزامها بتوريد حصائل الصادر، مع السماح لها باستخدام تلك الحصائل في استيراد السلع الأساسية بلا عطاءات، وبيع الحصائل للمستوردين بسعر السوق الموازية!
* من تلك الصفقة المشبوهة والمشئومة ابتدأ مسلسل الانهيار القياسي للجنيه، وتواصل السقوط بإقدام وزارة المالية على ضخ تريليونات الجنيهات في حسابات الشركة المحظوظة، ليدفع الشعب السوداني كله ثمن الفساد والتخبط الذي صاحب المهزلة الزاخرة بالمحسوبية والفساد المعلن.
* تقع مسئولية تلك الكارثة ابتداءً على د. إبراهيم البدوي وزير المالية السابق، ومن قبله على د. حمدوك رئيس الوزراء لأنه وقف إزاءها موقف المتفرج، ولم يتحرك لمنعها، ولم يضع قرار التحقيق فيها موضع التنفيذ، بل أردفها بالموافقة على كارثة زيادة أجور موظفي الدولة بنسبة (569 %)، في عز زمن انحسار الإيرادات بسبب جائحة (الكورونا).
* تواصل مسلسل انهيار الجنيه بإقدام الحكومة على شراء (330) مليون دولار من السوق الموازية، باعتراف موثق من رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية، سعياً وراء سراب رفع العقوبات الأمريكية.
* خدعت الحكومة شعبها في مؤتمر صحافي ازدحم بالأكاذيب، عندما تراص مسئولوها ليتشدقوا بالحديث عن مسببات غير اقتصادية للانهيار الكبير للعملة الوطنية، مع أنهم كانوا يعلمون جيداً أن تراجع الجنيه حدث بسبب اندفاع حكومتهم لشراء الدولارات من السوق السوداء، وتقديمها للأمريكان، تعويضاً لهم على جرائم لم يرتكبها السودان، ولم تكن لأيٍ من مواطنيه أدنى علاقة بها.
* أربعون مليون مواطن سوداني سيدفعون فاتورة فشل مسئولين اثنين، تم تقديمها لمنصبيهما بادعاء أنهما خبيران دوليان في الاقتصاد، وها نحن نحصد ثمرة تلك الخبرة المزعومة صفوفاً متطاولة، وغلاءً فاحشاً، وندرةً في كل السلع الأساسية، وفشلاً مريعاً في توفير أبسط الخدمات، وفقراً مدقعاً لغالب الشعب (الفضل)، وانهياراً مريعاً لقطاعات الصحة والتعليم والكهرباء وغيرها.
* ثار الشعب السوداني على الطاغوت بحثاً عن حياةٍ أفضل، وهتف شبابه (حكومة الجوع.. تسقط بس) فإذا بحكومة الثورة، المبتلاة بالفساد، الفاقدة للإرادة والكفاءة والإحساس بمعاناة الناس تضاعف معاناته، وترفع معدلات فقره، وتورثه عنتاً غير مسبوقٍ في كل شيء.
* لم يبق لهذه الحكومة العاجزة ما يبرر استمرارها ساعةً واحدةً، بعد أن سقطت مهنياً وعملياً وأخلاقياً في عيون الناس المزدحمة بدموع الفقر والفاقة والغلاء والمعاناة، وعليها أن ترحل طوعاً قبل أن تجبرها ثورة الجوعى على الرحيل، مصحوبةً بلعنات ملايين الفقراء، المكتوين بنيران فشلها الذريع.
التعليقات مغلقة.