إمام محمد إمام i.imam@outlook.com
اتصل بي صديقٌ من إحدى القنوات الفضائية العربية، ناقلاً إليّ نبأ حريق مصنع أميفارما للأدوية في الخرطوم بحري ظهر أول من أمس (الأحد)، فور اندلاع ذاكم الحريق، وبمعرفته بما كان ليّ من علائق بأصحاب المصنع، فطلب مني تيسيير الاتصال بهم، لمعرفة أسباب الحريق، ومدى الأضرار التي لحقت به، والتقدير الأُولي لحجم الخسائر المادية. فأوعزت إليه بالصبر إلى حين إصدار بيانٍ من قبل إدارة المصنع، يجد فيه ضالته، لأنهم في الوقت الراهن سيكونوا منزعجين من الحادث، لكن نحن معشر الصحافيين يعيل صبرنا في مثل هذه المواقف والأحداث؛ جرياً وراء السبق الصحافي! وبالفعل بعد أن اطلعت على أخبار الحادث، وشاهدتُ التسجيلات المصورة للحريق، وأعمدة الدخان التي غطت سماء المنطقة الصناعية في الخرطوم بحري، عبر المواقع الإلكترونية الإخبارية، ووسائط التواصل الاجتماعي، هالني الأمر وأفزعني، خشية أن يكون من ضحايا هذ الحريق بعض منسوبي المصنع، ولكن حمدتُ الله كثيراً أن انحصرت الخسائر في مخزنٍ للأدوية، وسلم الناس والمصنع من هذا الحريق.
وفي رأيي الخاص، الذي يُثير الفزع، ويُهول حريق أميفارما، تداعياته على ما يعانيه السودان من أزمة في الدواء، وشُح شهدته كثير من الأدوية بصيدليات ولاية الخرطوم وولايات السودان الأخرى، منها دواء الملاريا والبلهارسيا وأدوية الأمراض المزمنة، لا سيما وأن كثير من مناطق السودان تضررت من جراء السيول والفيضانات. ومن المتوقع أن تكون من تداعيات هذه السيول والفيضانات، انتشار بعض الأمراض، وبالضرورة تكون الحاجة ماسة لبعض الأدوية! خاصةً لو علمنا أن مصنع أميفارما يُعد أكبر مصنع محلي في البلاد، إذ يملك 40% من حصة الإنتاج المحلي للأدوية، وحوالي 25% من استهلاك الدواء في السودان. وتأكيداً لِمَّا هو مؤكد، أن مصنع أميفارما للأدوية منتجاته الدوائية تصل إلى انتاج 100 صنفٍ من الأدوية، انتاجاً محلياً، بالإضافة إلى أن 50 صنفاً دوائياً، تتمثل في المحقونات والرزازات والقطرات، يتم استيرادها تحت اسم المصنع من مصانع ومعامل دوائية غربية، معتمدة من هيئة الغذاء والدواء الأميركية والبريطانية. أليس هذا بكافٍ أن يُثير القلق من تداعيات هذا الحريق على سوق الدواء المحلي من حيثُ النُدرة، وتفاقم أزمة توفر الدواء في السودان؟!
وأحسبُ أن تميز انتاج أميفارما الدوائي لا يحتاج مني إلى كثير برهانٍ وأدلةٍ، فقد كان انتاجها عاملاً مساعداً في بث ثقة المواطن بانتاج الدواء الوطني. فلا غروَّ، أن حصُلت أدوية مصنع أميفارما على التسجيل في كلٍّ من: تشاد وأريتريا وكينيا. دعك ما توفره الصناعة الدوائية الوطنية من عملات أجنبية، خاصة الدولار المتصاعد، فإنفاق دولارٍ واحدٍ على صناعة الأدوية بالداخل يوفر خمسة دولارات أو يزيد من الاستيراد. ولم يقتصر القلق الذي أثاره هذا الحريق على جموع أصدقاء ومعارف أصحاب المصنع، بل على الكثيرين من مشجعي الصناعة الدوائية الوطنية. ومما يُطمئن الذين أقلقهم حريق مصنع أميفارما للأدوية، وتداعياته على الصناعة الدوائية الوطنية، وتأثيره المباشر على توفر الدواء في الصيدليات للمرضى، التصريحات الصحافية التي أدلى بها الدكتور الهادي محمد إبراهيم المديرالمالي لمصنع أميفارما للأدوية، بشأن الحريق الذي اندلع في المصنع ظهر يوم الأحد الماضي، حيثُ قال: إن الحريق الذي شب في المصنع، واستمر لساعاتٍ، كان محدوداً، ولم تتأثر خطوط الإنتاج من جرائه. كما أن الإمداد الدوائي مستمر. وأضاف “أطمئن الشعب السوداني، بأن الحريق محدود نتج في الغالب عن ماسٍ كهربائيٍ في سقف أحد مخازن المنتج التام، وتمت محاصرته تماماً بمطافئ الدعم السريع الحديثة والدفاع المدني. ولا توجد أي خسائر في الأرواح ولا إصابات في الأفراد”، مُشيراً إلى أن خطوط الإنتاج ومخازن المواد الخام ومواد التعبئة والتغليف، ومخازن المنتج التام الرئيسية بعيدة تماماً عن موضع الحريق.
وأظن – وليس كل الظن إثمٌ – ستعمل إدارة مصنع أميفارما للأدوية جاهدة، على ألا يكون لهذا الحريق تداعيات في مسار ومسيرة المصنع، من حيث الانتاج، ومضاعفة الانتاجية. وقد لا يعلم الكثيرون أن من تداعيات هذا الحادث الأليم، أنه أثر في تقديم المصنع للمساعدات الدوائية، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة، للحملات والقوافل الطبية والصحية إلى المناطق المتضررة من السيول والفيضانات في ولاية الخرطوم، وبعض الولايات الأخرى. ولقد لمستُ ذلكم بنفسي، في القافلة الطبية الصحية لجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، إلى بعض المناطق المتضررة من السيول والفيضانات في جبل أولياء التي كانت موعودة بالأدوية والمضادات الحيوية، ولكن كان حريق المخزن بالمرصاد لهذه الأدوية.
أخلص إلى أن إدارة المصنع بقيادة الأخوين الصديقين الدكتور أحمد البدوي والرشيد محمد الأمين حامد، الأول في تنظيم الإدارة، والثاني في ضبط الموارد المالية، ومعهما شقيقهما الأصغر محمود محمد الأمين حامد، دينمو الاتصالات والعلائق الخارجية للمصنع، إلى جانب إدارته لمصنع لبيهر للثلاجات، لم تبخل في العمل على تطوير المصنع وتحديثه، ليس في الآليات والأجهزة، بل في تدريب الكوادر الصيدلانية والفنية داخل السودان وخارجه. وأشهدُ أن هذا الثلاثي الذي يُدير مصنع أميفارما، ومعهم الجيل الثاني من أحفاد وأسباط الحاج محمد الأمين حامد، يعملون في تناغمٍ وانسجامٍ من أجل توفير الدواء بأسعارٍ معقولةٍ في البلاد.
وعلى الرغم من المضاغطات المالية والاقتصادية في البلاد، إلا أن إدارة مصنع أميفارما، تبذل جُهداً مقدراً في إحداث توسعات واستثمارات جديدة في قطاعات المصنع المختلفة. ولمصنع أميفارما للأدوية تاريخٌ طويلٌ وناصعٌ في الصناعة الدوائية الوطنية في السودان. وقد ساعد هذا المصنع بشكلٍ كبيرٍ في دُعامة الاقتصاد الوطني. ومعامل أميفارما للأدوية، أُنشئت في عام 1983 في مساحة صغيرة بخط إنتاج كبسولات فقط، وفي عام 1985 حازت المعامل على ترخيص من شركة بيتشام العالمية. والمصنع يعمل على إنتاج المضادات الحيوية، باستخدام أحدث التقنيات ومعامل ضبط الجودة. ويقوم المصنع بتوزيع منتجاته في ولايات السودان المختلفة. والمأمول أن تعمل إدارة المصنع على عودة المخزن الذي تضرر من الحريق قريباً إلى سيرته الأولى وأحسن.
التعليقات مغلقة.